ولما كان المثل في سياق التحقير للدنيا والتنفير عنها، عبر عن الزارع بما ينفر فقال :﴿أعجب الكفار﴾ أي الزراع الذين حصل منهم الحرث والبذرة الذي يستره الحارث بحرثه كما ستر الكافر حقيقة أنوار الإيمان لما يحصل من الجحد والطغيان ولا يتناهى إعجاب الزارع إلى حد يلهي عن الله إلا مع الكفر به سبحانه فإن المؤمن وإن أعجبه ذلك يتذكر به قدرة الله سبحانه وتعالى عظمته وما أعد لأهل طاعته في الآخرة، فيحمله ذلك على الطاعة، فالتعبير بالكفار الذي هو بمعنى الزراع دونه إشارة إلى عظمة
٤٥٢
ذلك النبات فإنه لا يعجب العارفين به الممارسين له الذي لهم غياة الإقبال على تلك الحرفة فالمنافسة فيها إلا ما يكون منها نهاية في الإعجاب، وإلى أنه لا يعجب أحداً شيء من الدنيا إعجاباً يركن ويأنس به أنساً يؤدي إلى ما في الآية من اللهو وما معه إلا لكفر في نفسه أقله كفر النعمة التي من شأنها أن تدعو إلى تذكر الخالق وتذكر الجميل على الشكر، وترك الشكر كفر ﴿نباته﴾ أى نبات ذلك الغيب كما يعجب الكافر في الكفر في الغالب بسط الدنيا له استدراجاً من الله تعالى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٩
ولما كان الزرع يشيخ بعد مُدَيدة فيضمحل كما هو شأن الدنيا كلها قال :﴿ثم يهيج﴾ أي يسرع تحركه فيتم جفافه فيحين حصاده ﴿فتراه مصفراً﴾ أي عقب ذلك بالقرب منه على حالة لا ثمر معها بل ولا نبات، ولذلك قال معبراً بالكون لأن السياق للتزهيد في الدنيا وأنها ظل زائل لا حقيقة لها :﴿ثم﴾ أي بعد تناهي جفافه وابيضاضه ﴿يكون﴾ أي كوناً كأنه مطبوع عليه، وأبلغ سبحانه في تقرير اضمحلاله بالإتيان مع فعل الكون هنا للمبالغة لأن السياق لتقرير أن الدنيا عدم وإن كانت في غاية الكثرة والإقبال والمؤاتاة بخلاف ما مضى في الزمر فقال :﴿حطاماً﴾ كأن الحطامية كانت في جبلته وأصل طبعه.


الصفحة التالية
Icon