ولما بين أن الدنيا خيال ومحال ليصرف الكملة من العباد عنها لسفولها وحقارتها، وأن الآخرة بقاء وكمال ليرغبوا غاية الرغبة فيها وليشتاقوا كل الاشتياق لكمالها وشرفها وجلالها، أنتج ذلك قوله تعالى :﴿سابقوا﴾ أي افعلوا في السعي لها بالأعمال الصالحة حق السعي فعل من يسابق شخصاً فهو يسعى ويجتهد غاية الاجتهاد في سبقه، ولكن ربما كان قرينه بطيئاً فسار هويناً، وأما المسارعة فلا تكون إلا بجهد النفس من الجانبين مع السرعة في العرف، فآية آل عمران الآمرة بالمسارعة الأخص من المسابقة أبلغ لأنها للحث على التجرد عن النفس والمال وجميع الحظوظ أصلاً ورأساً، ولذلك كانت جنتها للمتقين الموصوفين.
وأما هذه ففي سياق التصديق الذي هو تجرد عن فضول الأموال ولذلك كانت جنته للذين آمنوا.
ولما كان المقام عظيماً، والإنسان - وإن بذلك الجهد - ضعيفاً، لا يسعه إلا الفعو سواء كان سابقاً أو لاحقاً من الأبرار والمقربين، نبه على ذلك بقوله في السابقين ؛ ﴿إلى مغفرة﴾ أي ستر لذنوبكم عيناً وأثراً ﴿من ربكم﴾ أي المحسن إليكم بأن رباكم وطوركم بعد الإيجاد بأنواع الأسباب بأن تفعلوا أساب ذلك بامتثال أوامره سبحانه واجتناب زواجره.
ولما كان المقصود من المغفرة ما يترتب عليها من نتيجتها قال :﴿وجنة﴾ أي وبستان هو من عظم أشجارها واطراد أنهارها بحيث يستر داخله.
ولما كان ذلك لا يكمل إلا بالسعة قال :﴿عرضها﴾ أي فما ظنك بطولها.


الصفحة التالية
Icon