ولما كان المراد كسر النفس كما مضى، وكانت المتابعة أنكى ولذلك سمي رمضان شهر الصبر، قيد بقوله :﴿متتابعين﴾ أي على أكمل وجوه التتابع على حسب الإمكان بما أشار إليه الإظهار، فلو قطع التتابع بشيء ما ولو كان بنسيان النية وجب عليه الاستئناف والإغماء لا يقعطع التتابع لأنه ليس في الوسع
٤٨٤
وكذا الإفطار بحيض أو نفاس أو جنون بخلاف الإفطار بسفر أو مرض أو خوف على حكمل أو رضيع لأن الحيض معلوم فهو مستثنى شرعاً، وغيره مغيب للعقل - مزيل للتكليف، وأما المرض ونحوه ففيه تعمد الإفطار مع وجود العقل.
ولما كان الإمساك عن المسيس قد يكون أوسع من الشهرين، أدخل الجار فقال :﴿من قبل﴾ وحل المصدر إفادة لمن يكون بعد المظاهرة فقال :﴿أن يتماسا﴾ فإن جامع ليلاً عصى ولم ينقطع التتابع.
ولما كان إطعام نفس قوت نصف يوم كإماتة نفسه بالصيام يوماً قال تعالى :﴿فمن لم يستطع﴾ أي يقدر على الصيام قدرة تامة - بما أشار إليه إظهار التاء لهرم أو مرض أو شبق مفرط يهيجه الصوم ﴿فإطعام﴾ أي فعليه إطعام ﴿ستين مسيكناً﴾ لكل مسكين ما يقوته نصف يوم، وهو مد بمد النبي ﷺ وذلك نحو نصف قدح بالمصري، وهو ملء حفنتين بكفي معتدل الخلق من غالب قوت البلد، وهو كما في الفطرة سواء، وحذف قيد المماسة لذكره في الأولين، وعلهل الحكمة في تخصيص هذا به أن ذكره في أول الخصال لا بد منه، وإعادته في الثاني لطول مدته فالصبر عنه فيها مشقة، وهذا يمكن أن يفعل في لحظة لطيفة لا مشقة للصبر فيها عن المماسة، هذا إذا عاد، فإن وصل الظهار بالطلاق أو مات أحدهما في الحال قبل إمكان الطلاق فلا كفارة، قال البغوي : لأن العود في القول هو المخالفة، وفسر ابن عباس رضي الله عنهما العود بالندم فقال : يندمون ويرجعون إلى الألفة، وهذا يدل على ما قال الشافعي رضي الله عنه : فإن ظاهر عن الرجعية انعقد ظهاره فإن راجعها لزمته الكفارة لأن الرجعة عود.


الصفحة التالية
Icon