ولما كان الناهي هو الله، فكان هذا للنهي أهلاً لأن يبعد منه غاية البعد، عبر بأداة التراخي فقال :﴿ثم يعودون﴾ أي على سبيل الاستمرار لأنه إذا وقعت مرة بادروا إلى التوبة منها او فلتة وقعت معفواً عنها ﴿لما نهوا عنه﴾ أي من غير أن يعدوا لما يتوقع من جهة الناهي من الضرر عدة ﴿ويتناجون﴾ أي يقبل جميعهم على المناجاة إقبالاً واحداً، فيفعل كل منهم ما يفعله الآخر مرة بعد أخرى على سبيل الاستمرار، وقراءة حمزة ﴿وينتجون﴾ بصيغة الافتعال يدل على التعمد والمعاندة ﴿بالإثم﴾ أي بالشيء الذي يكتب عليهم به الإثم بالذنب وبالكذب وبما لا يحل.
ولما ذكر المطلق أتبعه المقيد بالشدة فقال :﴿والعدوان﴾ أي العدو الذي هو نهاية في قصد الشر بالإفراط في مجاوزة الحدود.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٩١
ولما كان ذلك شراً في نفسه أتبعه الإشارة إلى أن الشيء يتغير وصفه بالنسبة إلى من يفعل معه فيكبر بكبر المعصي فقال :﴿ومعصيت الرسول﴾ أي الذي جاء إليهم من الملك الأعلى، وهو كامل الرسلية، لكونه مرسلاً إلى جميع الخلق وفي كل الأزمان، فلا نبي بعده، فهو لذلك يستحق غاية الإكرام.
ولما أنهى تعظيم الذنب إلى غايته آذن بالغضب بأن لفت الكلام إلى الخطاب فقال :﴿وإذا جاؤوك﴾ أيها الرسول الأعظم الذي يأتيه الوحي ممن أرسله ولم يغب أصلاً عنه لأنه المحيط علماً وقدرة ﴿حيوك﴾ أي واجهوك بما يعدونه تحية من قولهم : السام عليك ونحوه، وعم كل لفظ بقوله :﴿بما لم يحيك به الله﴾ أي الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه فمن تجاوز ما شرعه فقد عرض نفسه لسخطه، ومما دخل فيه قوله بعض الناس لبعض " صباح الخير " ونحوه معرضاً عن السلام.
ولما كان المشهور عنهم أنهم يخفون ذلك جهدهم ويعلنون بإملاء الله لهم أن رسول الله ﷺ لا يطلع عليه، وإن اطلع عليه لم يقدر على أن ينتقم منهم، عبر عن ذلك بقوله :﴿ويقولون﴾ أي عند
٤٩٢


الصفحة التالية
Icon