ولما كانت التقوى أم المحاسن، أكدها ونبه عليها بقوله :﴿واتقوا الله﴾ أي اقصدوا قصداً يتبعه العمل أن تجعلونا بينكم وبين سخط الملك الأعظم وقاية، ولما كانت ذكرى الآخرة هي مجمع المخاوف ولا سيما فضائع الأسرار على رؤوس الأشهاد قال :﴿الذي إليه﴾ أي خاصة ﴿تحشرون *﴾ أي تجمعون بأيسر أمر وأسهله بقهر وكره، وهو يوم القيامة، فيتجلى فيه سبحانه للحكم بين الخلق والإنصاف بينهم بالعدل ومحاسبتهم على النقير والقطمير لا يخفى عليه خافية ولا تقي منه واقية تنكشف فيه سرادقات العظمة، ويظهر ظهوراً تاماً نفوذ الكلمة، ويتجلى في مجالي العز سطوات القهر، وتنبث لوامع الكبر، فإذا فعلتم ذلك مستحضرين لذلك لم تقدموا على شيء تريدون إخفاءه من النبي ﷺ، فيكون ذلك لعينه وأطهر لكم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٩١
ولما شدد سبحانه في أمر النجوى وكان لا يفعلها إلا أهل النفاق، فكان ربما ظن ظان أنه يحدث عنها ضرر لأهل الدين، قال ساراً للمخلصين وغاماً للمنافقين ومبيناً أن ضرررها إنما يعود عليهم :﴿إنما النجوى﴾ أي العهودة وهي المنهي عنها، وهي ما كره صاحبه أن يطلع عليه رسول الله ﷺ، وقيل : ما خيله الشيطان من الأحكام المكروهة للإنسان ﴿من الشيطان﴾ أي مبتدئه من المحترق بطرده عن رحمة الله تعالى فإنه الحامل عليها بتزيينها ففاعلها تابع لأعدى أعدائه مخالفة لأوليائه.
ولما بين أنها منه، بين الحامل له على تزيينها فقال :﴿ليحزن﴾ أي الشيطان ليوقع
٤٩٤
الحزن في قلوب ﴿الذين آمنوا﴾ أي يتوهمهم أنهم بسبب شيء وقع ما يؤذيهم، والحزن : هم غليظ وتوجع يرق له القلب، حزنه وأحزنه بمعنى، وقال في القاموس : أو أحزنه : جعله حزيناً، وحزنه : جعل فيه حزناً.
فعلى هذا قراءة نافع من أحزن أشد في المعنى من قراءة الجماعة.


الصفحة التالية
Icon