ولما أخبر بإحاطة علمه ردعاً لمن يغتر بطول حلمه، دل على ذلك باطلاعه على نفاق المنافقين الذي هو أبطن الأشياء، فقال معجباً مرهباً معظماً للمقام بتخصيص الخطاب بأعلى الخلق ﷺ تنبيهاً على أنه لا يفهم ذلك حق فهمه غيره :﴿ألم تر﴾ ودل على بعدهم عن الخير بحرف الغاية فقال :﴿إلى الذين تولوا﴾ أي تكلفوا بغاية جهدهم أن جعلونا أولياءهم الذين ينزلون بهم أمورهم ﴿قوماً﴾ ابتغوا عندهم العزة اغتراراً بما يظهر لهم منهم من القوة ﴿غضب الله﴾ أي الملك الأعلى الذي لا ند له ﴿عليهم﴾ أي على المتولين والمتولَّين لأنهم قطعوا ما بينهم وبينه، والأولون هم المنافقون تولوا اليهود، وزاد في الشناعة عليهم بقوله مستأنفاً :﴿ما هم﴾ أي اليهود المغضوب عليهم ﴿منكم﴾ أيها المؤمنون لتوالوهم خوفاً من السيف ورغبة في السلم ﴿ولا منهم﴾ أي المنافقين، فتكون موالاتهم لهم لمحبة سابقة وقرابة شابكة، ليكون ذلك لهم عذراً، بل هم مذبذبون، فهم مع المؤمنين بأفواقهم، ومع الكفار بقلوبهم، فما تولوهم إلا عشقاً في النفاق لمقاربه ما بينهم فيه، أو يكون المعنى : ما المنافقون المتولون من المسلمين ولا من اليهود المتولين، وزاد في الشناعة عليهم بأقبح الأشياء الحالم على كل رذيلة، فقال ذاكراً لحالهم في هذا الاتحاد :﴿ويحلفون﴾ أي المنافقون يجددون الحلف على الاستمرار، ودل بأداة الاستعلاء على أنهم في غاية الجرأة على استمرارهم على الإيمان الكاذبة بأن التقدير : مجترئين ﴿على الكذب﴾ في دعوى الإسلام وغير ذلك مما يقعون فيه من عظائم الآثام، فإذا عوتبوا عليه بادروا إلى الإيمان.
٥٠١


الصفحة التالية
Icon