ولما كانت الحصون تمنع إلى إتيان الأمداد قال :﴿وظنوا أنهم﴾ ودل على قوة ظنهم وثباته بالجملة الاسمية فقال :﴿مانعتهم حصونهم﴾ أي ثابت لها المنع ولهم الامتناع، قالوا : وفي تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم، وفي جعل ضميرهم اسم (إن) وإسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عز ومنعة لا مطمع معها في معازّتهم، ودل على ضعف عقولهم بأن عبر عن جنده باسمه وباسمه الأعظم فقال :﴿من الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا عز إلا له وأنتم جنده، لا تقاتلون إلا فيه وبه، بأسكم من بأسه، فقد اجتمع الظنان على شيء واحد.
ولما كان إسناد ما للمضاف إلى المضاف إليه شائعاً في لسان العرب وكثيراً جداً لأنه لا يلتس على من له إلمام بكلامهم، وبليغاً مجيئه بما صور لهم من حقارة أنفسهم التي اضطرتهم إلى الجلاء ﴿من حيث لم يحتسبوا﴾ أي من الجهة التي لم يحملوا أنفسهم على حسبها وهي خذلان المنافقين لهم رعباً كرعبهم واستضعافاً كاستضعاف أنفسهم عن مقاومة جند الله بعد أن كان الشيطان زين لهم غير ذلك، وملأ قلوبهم من الأطماع الفارغة حتى قطعوا بما مناهم وقربه لهم وأغواهم.
ولما كان التقدير : فأوهنهم الله بذلك، عطف عليه قوله :﴿وقذف﴾ أي أنزل إنزالاً كأنه قذفه بحجارة، فثبت وارتكز ﴿في قلوبهم الرعب﴾ أي الخوف الذي سكنها فرضّها وملأها وعبر منها إلى جميع قواهم فاجتثها من أصلها، ثم بين حالهم عند ذلك
٥١٢


الصفحة التالية
Icon