ولما كان ذلك قد يحمل على أنه في الإنسان بعينه، قال معلقاً بالوصف، تعميماً وزجراً عنه :﴿وذلك﴾ أي العذاب الأكبر ﴿جزاء الظالمين *﴾ أي كل من وضع العبادة في غير محلها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٣٢
ولما أبلغ سبحانه في المواعظ في هذه السورة قولاً وفعلاً، وكانت الإيقاعات المذكورة فيها مسببة عن الخيانات ممن كان له عهد فنقضه، أو ممن كان أظهر الإيمان فأبان فعله كذبه، قال سبحانه وتعالى استنتاجاً عن ذلك وعظاً للمؤمنين لأن الوعظ بعد المصائب أوقع في النفس وأعظم في ترقيق القلب وتحذيره مما يوجب العقوبة :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ منادياً لهم نداء البعد معبراً بأدنى أسنان الإيمان لأنه عقب ذكر من أقر بلسانه فقط ﴿اتقوا الله﴾ أي اجعلوا لكم وقاية تقيكم سخط الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه ولا بد أن يستعرض عبيده، فاحذروا عقوبته بسب التقصير فيما حده لكم من أمر أو نهي ﴿وتنظر نفس﴾ أي كل نفس تنظر إلى نفاستها وتريد العلو على أقرانها، ولعله وحدها للإشارة مع إفادة التعميم إلى قلة الممثل لهذا الأمر جداً ﴿ما قدمت﴾ أي من الزاد الذي يكون به صلاح المنزل الذي من لم يسع في إصلاحه لم يكن له راحة، هل يرضي الملك ما قدمته فينجيها أو يغضبه فيرديها.
ولما كان الأجل مبهم الوقت، فكان لقاء الله في كل يوم بل كل لحظة للعاقل مترقباً لكونه ممكناً مع كونه على الإطلاق محققاً لا يجهله أحد، قال مشيراً بتنكيره وإبهامه إلى تهويله وإعظامه :﴿لغد﴾ أي لأجل العرض بعد الموت أو في يوم القيامة الذي هو في غاية القرب لأن هذه الدنيا كلها يوم واحد يجيء فيه ناس ويذهب آخرون، والموت أو الآخرة غده، لا بد من كل منهما، وكل ما لا بد منه فهو في غاية القرب لا سيما إن كان باقياً غير منقض، وكل من نظر لغده أحسن مراعاة يومه، وتنوينه للتعظيم من جهات لا تحصى.


الصفحة التالية
Icon