سبحانه وتعالى ﴿وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية تسقى من عين آنية﴾ [الغاشية : ٢ - ٣ - ٤ - ٥] لأنهم لم يدعوا باباً من أبواب الفسق فإن رأس الفسق الجهل بالله، ورأس العلم ومفتاح الحكمة معرفة النفس، فأعرف الناس بنفسه أعرفهم بربه " من عرف نفسه فقد عرف ربه ".
ولما كانت ثمرة ذلك أنهم أضاعوها - أي التقوى - فهلكوا قال :﴿أولئك﴾ أي البعيدون من كل خير ﴿هم﴾ أي خاصة دون غيرهم ﴿الفاسقون *﴾ أي العريقون في المروق من دائرة الدين.
ولما تم الدليل على أن حزب الله هم المفلحون لما أيدهم به في هذه الحياة الدنيا من النصر والشدة على الأعداء واللين والمعاضدة للأولياء وسائر الأفعال الموصلة إلى جنة المأوى، وصرح في آخر الدليل بخسران حزب الشيطان فعلم أن لهم مع هذا الهوان عذاب النيران، وكان المغرور بعد هذا بالدنيا الغافل عن الآخرة لأجل شهوات فانية وحظوظ زائرة عاملاً عمل من يعتقد أنه لا فرق بين الشقي بالنار والسعيد بالجنة لتجشمه التجرع لمرارات الأعمال المشتملة عليها، أشج ذلك قوله منزلاً لهم منزلة الجازم بذلك
٥٣٥
أو الغافل عنه تنبيهاً لهم على غلطهم وإيقاظاً من غفلتهم :﴿لا يستوي﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿أصحاب النار﴾ التي هي محل الشقاء الأعظم ﴿وأصحاب الجنة﴾ التي هي دار النعيم الأكبر لا في الدنيا ولا في الآخرة وهي من أدلة أنه لا يقتل مسلم بكافر.
ولما كان نفي الاستواء غير معلم في حد ذاته بالأعلى من الأمرين، كان هذا السياق معلماً بما حفه من القرائن بعلو أهل الجنة، صرح به في قوله :﴿أصحاب الجنة هم﴾ أي خاصة ﴿الفائزون *﴾ المدركون لكل محبوب الناجون من كل مكروه، وأصحاب النار هم الهالكون في الدارين كما وقع في هذه الغزوة لفريقي المؤمنين وبني النضير ومن والاهم من المنافقين، فشتان ما بينهما.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٣٤


الصفحة التالية
Icon