ولما كان التقدير تبكيتاً وتوبيخاً لمن لم يرق للقرآن ﴿أفلم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق﴾ [الحديد : ١٦] فإنا قد فصلنا لهم الحلال والحرام والأمر والنهي وأوضحنا الحكم ودللنا على المتشابه وقصصنا الأقاصيص بعد جعلهم عقلاء ناطقين، فتلك أقاصيص الماضين لعلهم يعتبرون عطف عليه قوله :﴿وتلك الأمثال﴾ أي التي لا يضاد فيها شيء ﴿نضربها للناس﴾ أي الذي يحتاجونها
٥٣٦
وهم من فيهم تذبذب واضطراب ﴿لعلهم يتفكرون *﴾ أي لتكون حالهم عند من ينظرهم حال من يجرى تفكره في تلك الأمثال فينفعه ذلك إذا أراد التفكر إلى التذكر فرأى تنبيه الرسول ﷺ له أن كل ما في القرآن من شيء فيه مشاهد منه متطابق له كتاب الخلق وكتاب الأمر فتخلى عن الشهوات البهيمية فنجا من الحظوظ النفسية فتحلى بالملابس الروحانية فصار بالمجاهدات والمنازلات إلى الصفات الملكية فكان أهلاً للمقامات القدسية في الجنان العلية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٣٤
ولما أعلى سبحانه أولياءه بأن فتح السورة بالإيمان بالغيب وهو العزيز الحكيم بعد التنزيه عن نقائص التعطيل وكل شائبة نقص وينزل لعباده في أسباب الصفات والأفعال إلى أن أوصلهم إلى محسوس الأمثال فتأهلوا للفناء في ذاته وما على صفاته الموجبة لخشيته، رقاهم إلى التكفر في تفصيل ما اففتح به، فقال عادلاً عن أسلوب العظمة إلى أعظم منها بإسبال حجب العزة على منهاج الحكمة :﴿هو﴾ أي الذي وجوده من ذاته فلا عدم له أصلاً بوجه من الوجوه، فلا يستحق الوصف بـ " هو " غيره لأنه الموجود دائماً أزلاً وأبداً، فهو حاضر في كل ضمير غائب بعظمته عن كل حسن، فلذلك يتصدع الجبل من خشيته.