ولما كان الخالق الحق هو من أتقن التقدير والبريء وإن كان إغلب الخلق لقصورهم لا يفهمون منه إلا مطلق التقدير كما قال شاعرهم :
ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
أردفه تنبيهاً على ذلك وتصريحاً وتأكيداً قوله :﴿البارئ﴾ أي الذي يدقق بما وقع به التقدير ويقطعه ويصلحه لقبول الصورة على أتم حال، فإن كان من المحيط العلم كان تمام التهيؤ للصورة على كمال المشيئة فيها، وإن كان ممن لا يحيط علماً طرأ له في البرء من النقص عن التمام ما لا يمكن معه حصول المقصود في الصورة، ولا يكاد يقع الإحسان للخلق في مصوراتهم إلا وفاقاً لا يعلمون كنهه ولا يثقون بحصوله.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٣٧
ولما كان من يهيئ الأمور للتصوير قد لا يتقنه قال :﴿المصور﴾ فإن التصوير إتمام تفصيل الخلق الظاهر وإكمال تخطيطه وإحكام أعضائه وهو حد ما انتهى إليه الخلق في الظهور، وليس وراء ظهور الصور كون إلا لطائف تطويرها في إسنان كمالها بعد بعثها بإحيائها بما لها من الروح المقوم لها سواء كان حيوانياً أو غيره إلى غاية كما لها الذي يعطيه المصور لها إفضالاً ومزيجاً ويظهره إبداعاً، ويتضح الفرق جداً بين الأسماء الثلاثة بالبناء فإنه يحتاج أولاً إلى مقدر يقدر ما لا بد منه من الحجر واللبن والخشب والحديد ومساحة الأرض وعدد الأبنية وطولها وعرضها، وهذا يتولاه المهندس فيرسمه وهو الخلق ثم يحتاج إلى حجار ينحت الحجارة ويهيئها لتصلح لمواضعها التي تكون
٥٤٣