ولما كان الإيمان به سبحانه مستحقاً من وجهي الذات والوصف لفت الخطاب من التكلم إلى الغيبة للتنبيه عليهما فقال :﴿بالله﴾ أي الذي اختص بجميع صفات الكمال، ولما عبر بما أبان أنه مستحق للإيمان لذاته أردفه بما يقتضي وجبو ذلك لإحسانه فقال :﴿ربكم﴾ ولما ألهبهم على مباينتهم لهم بما فعلوا معهم وانقضى ما أريد من التنبيه بسياق الغيبة عاد إلى التكلم لأنه أشد تحبباً وأعظم استعطافاً وأكمل على الرضا فألهبهم بما كان من جانبهم من ذلك الفعل أن لا يضيعوه، فقال معلماً إن ولايته سبحانه لاتصح إلا بالإيمان، ولا يثبت الإيمان إلا بدلائله من الأعمال، ولا تصح الأعمال إلا بالإخلاص، ولا يكون الإخلاص إلا بمابينه الأعداء :﴿إن كنتم﴾ أي كوناً راسخاً حين أخرجوكم من أوطانكم لأجل إيمانكم بي ﴿خرجتم﴾ أي منها وهي أحب البلاد إليكم ﴿جهاداً﴾ أي لأجل الجهاد ﴿في سبيلي﴾ أي بسبب إرادتكم تسهيل طريقي التي شرعتها لعبادي أن يسلكوها ﴿وابتغاء مرضاتي﴾ أي ولأجل تطلبكم بأعظم الرغبة لرضاي ولكل فعل يكون موضعاً له، وجواب هذا الشرط محذوف لدلالة ﴿لا تتخذوا﴾ عليه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٤٧
ولما فرغ من بيان حال العدو وشرط إخلاص الولي، وكان التقدير : فلا تتخذوهم أولياء، بنى عليه قوله مبيناً ﴿تلقون﴾ إعلاماً بأن الإسرار إلى أحد بما فيه نفعه لا يكون إلا تودداً :﴿تسرون﴾ أي توجدون إسرار جميع ما يدل على مناصحتهم والتودد إليهم، وأشار إلى بعدهم عنهم بقوله :﴿إليهم﴾ إبلاغاً في التوبيخ بالإشارة إلى أنهم يتجشمون في ذلك مستفتين إبلاغ الأخبار التي يريد النبي ﷺ وهو المؤيد بالوحي كتمها عنهم على وجه الإسرار خوف الافتضاح والإبلاغ إلى المكان البعيد ﴿بالمودة﴾ أي بسببها أو بسبب الإعلام بأخبار يراد بها أو يلزم منها المودة.


الصفحة التالية
Icon