ولما حث سبحانه المخاطبين على التأسي بقوله إبراهيم ومن معه في الوقت عليهم السلام استثنى منه فقال تأنيساً لمن نزلت القصة بسببه واستعطافاً له وهو حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه :﴿إلا قول إبراهيم﴾ أي فلا تأسي لكم به ﴿لأبيه﴾ واعداً له قبل أن يبين له أنه ثابت العداوة لله تعالى لكونه مطبوعاً على قلبه، فلا صلاح له، يقال : إن أباه وعده أنه يؤمن فاستغفر له، فلما تبين له، أنه لا يؤمن تبرأ منه :﴿لأستغفرن﴾ أي لأوجدن طلب الغفران من الله ﴿لك﴾ فإن هذا الاستغفار لكافر، فلا ينبغي لهم أن يتأسوا به فيه مطلقاً غير ناظرين إلى علم أنه مطبوع على قلبه أو في حيز الرجوع.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٥٣
ولما وعده بالاستفغار ترغيباً له، رهبه لئلا يترك السعي في النجاة بما معناه أنه ليس في يدي غير الاستغفار، فقال :﴿وما أملك لك﴾ أي لكونك كافراً ﴿من الله﴾ أي لأنه الملك الأعلى المحيط بنعوت الجلال، وأعرق في النفي بقوله :﴿من شيء﴾ والاستثناء وقع على هذا القول بقيد الاجتماع، ولا يلزم منه التعرض للأجزاء، فلا تكون هذه الجملة على حيالها مستثناة لأن النبي ﷺ لما نادى :"واصباحاه" حين أنزل الله سبحانه وتعالى ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ كان يقول لكل من سماه :"لا أملك لك من الله شيئاً" حتى قال في آخر ذلك :"يا فاطمة بنت محمد! سليني من مالي ما شئت لا أغن عنك من الله شيئاً ".