ولما كان الاختبار ربما دل إيمانهن لا يعلم إلا به، نفى ذلك بقوله مستأنفاً في جواب من يقول : أليس الله بعالم بذلك، ومفيداً أن علمكم الذي تصلون إليه بالامتحان ليس بعلم، وإنما سماه به إيذاناً بأن الظن الغالب في حقكم بالاجتهاد والقياس قائم مقام العلم يخرج من عنده ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم﴾ [الإسراء : ٣٦] :﴿الله﴾ المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿أعلم﴾ أي منكم ومنهن بأنفسهن ﴿بإيمانهن﴾ هل هو كائن أو لا على وجه الرسوخ أو لا، فإنه محيط بما غاب كإحاطته بما شهد، وإنما وكل الأمر إليكم في ذلك ستراً للناس ولئلا تكون شهادته لأحد بالإيمان والكفران موصلة إلى عين اليقين فيخرج عن مبنى هذه الدار، قال القشيري : وفي الجملة الامتحان طريق إلى المعرفة، وجواهر النفس تتبين بالتجربة، ومن أقدم على شيء من غير تجربة يجني كأس الندم، قال :﴿فإن علمتموهن﴾ أي العلم المتمكن لكم وهو الظن المؤكد بالأمارات الظاهرة بالحلف وغيره ﴿مؤمنات﴾ أي مخلصات في الهجرة لأجل الإيمان، والتعبير بذلك لإيذان بمزيد الاحتياط.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٥٩
ولما ذكر هذا الامتحان بين أنه علة لحمايتهن والدفع عنهن فأتبعه مسببه فقال :﴿فلا ترجعوهن﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿إلى الكفار﴾ وإن كانوا أزواجاً، ومن الدليل على أن هذا ظاهر في المراد وأن القرائن موضحة له أنه ﷺ لما أبى أن يرد إليهم من جاءه من النساء لم يعب أحد من الكفار ذلك، ولا نسب إلى عهده ﷺ - وحاشاه - خللاً، ولولا أن ذلك لملؤوا الأرض تشغيباً كما فعلوا في سرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه إلى نخله التي نزل بسببها ﴿يسألونك عن الشهر الحرام﴾ [البقرة : ٢١٧]
٥٦٢


الصفحة التالية
Icon