وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : افتتحت بالتسبيح لما ختمت به سورة الممتحنة من قوله ﴿لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم﴾ [الممتحنة : ١٣] وهم اليهود، وقد تقدم الإيماء إلى ما استوجبوا به هذا فأتبع بالتنزيه لما تقدم بيانه فإنه مما تعقب به ذكر جرائم المرتكبات ولا يرد في غير ذلك، ثم أتبع ذلك بأمر العباد بالوفاء وهو الذي حد لهم في الممتحنة ليتنزهوا عن حال مستوجبي الغضب بنقيض الوفاء والمخالفة بالقلوب والألسنة ﴿يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم﴾ [آل عمران : ١٦٧] ﴿لياً بألسنتهم وطعناً في الدين﴾ [النساء : ٤٦] ﴿من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم﴾ [المائدة : ٤١] ﴿ويقولون آمنا بالله والرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم﴾ [النور : ٤٧] وبمجموع هذا استجمعوا اللعنة والغضب فقيل للمؤمنين :﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون﴾ [الصف : ٢] احذروا أن تشبه أحوالكم حال من استحق المقت واللعنة والغضب، ثم أتبع بحسن الجزاء لمن وفى قولاً وعقداً ولساناً وضميراً، وثبت على ما أمر به فقال :﴿إن الله يحب الذي يقاتلون في سبيله صفاً﴾ [الصف : ٤] الآية ثم تناسج ما بعد.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٧٠
ولما كان الوارد من هذا الغرض في سورة الممتحنة قد جاء على طريق الوصية وسبيل النصح والإشفاق، أتبع في سورة الصف بصريح العتب في ذلك والإنكار ليكون بعد ما تمهد في السورة قبل أوقع في الزجر، وتأمل كم بين قوله سبحانه ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء﴾ [الممتحنة : ١] وما تضمنته من اللطف وبين قوله ﴿لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾ [الصف : ٢] انتهى.


الصفحة التالية
Icon