ولما تم الدليل النقلي على نبوة محمد ﷺ وعلى كونه أشرف الأنبياء فاتحاً لهم وخاتماً عليهم، دل على إلزام بني إسرائيل الزيغ فقال :﴿فلما جاءهم﴾ أي عيسى أو محمد ﷺ بني إسرائيل وغيرهم ﴿بالبينات﴾ أي من المعجزات العظيمة التي لا يسوغ لعاقل إلا التسليم لها ومن الكتاب المبين ﴿قالوا﴾ أي عند مجيئها سواء من غير نظرة لتأمل ولا غيره :﴿هذا﴾ أي المأتي به من البينات أو الآتي بها على المبالغة كما دل عليه قراءة حمزة " ساحر " إشارة بالإشارة إلى القريب بعد الإشارة - بفاء التعقب إلى شدة اتصال الكفر بأول أوقات المجيء :﴿سحر﴾ فكانوا أول كافر به، لأن هذا وصف لهم لازم سواء بلغهم ذلك وهم بمفردهم أو منضماً إليهم غيرهم ﴿مبين *﴾ أي في البيان في سحريته حتى أن شدة ظهوره في نفسه لكل من رآه أنه سحر عناداً منهم ومكابرة للحق الذي لا لبس فيه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٧٤
ولما كان التقدير إعلاماً بأنهم أظلم الناس لتعمدهم للكذب : فمن أظلم منهم لتهتكهم في ذلك، عطف عليه قوله :﴿ومن أظلم﴾ وعم كل من اتصف بوصفهم فقال :﴿ممن افترى﴾ أي تعمد ﴿على الله﴾ أي الملك الأعلى ﴿الكذب﴾ الذي هو أقبح الأشياء ﴿وهو﴾ أي والحال أنه ﴿يدعى﴾ أي من أي داع كان ﴿إلى الإسلام﴾ الذي هو
٥٨٢
أحسن الأشياء فيكفي في الدعاء إليه أدنى تنبيه لأنه الاعتراف بالحق لمن هو له، فيجعل مكان الإجابة افتراء الكذب في تلك الحالة الحسنى.
ولما كان التقدير : فهو لا يهديه الله لأجل ظلمه، عطف عليه قوله :﴿والله﴾ أي الذي له الأمر كله فلا أمر لأحد معه ﴿لا يهدي القوم﴾ أي لا يخلق الهداية في قلوب من فيهم قوة المحاولة للأمور الصعاب ﴿الظالمين *﴾ أي الذين يخبطون في عقولهم خبط من هو في الظلام.


الصفحة التالية
Icon