ولما كان الظفر بالمحبوب أحب ما يكون إذا كان أول النهار، تسبب عن تأييده قوله :﴿فأصبحوا﴾ أي صاروا بعد ما كانوا فيه من الذل ﴿ظاهرين *﴾ أي عالين غالبين قاهرين في أقوالهم وأفعالهم لا يخافون أحداً إلا الله ولا يتسخفون منه، فالتأييد تارة يكون بالعلم وتارة بالفعل ﴿علمه شديد القوى﴾ [النجم : ٥] فصار علمه في غاية الإحكام وتبعته قوة هي في منتهى التمام، لأنه ناشىء عن علم مستفاد من قوة، وإلا لقال : علمه كثير العلم.
﴿قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك﴾ [النمل : ٤٠] قوة مستفادة من علم، والظاهر كما هو ظاهر قوله تعالى :﴿جاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة﴾ [آل عمران : ٥٥] وغيرها أن تأييد المؤمنين به كان بعد رفعه بيسير حين ظهر الحواريون وانبثوا في البلاد يدعون إلى الله بما آتاهم من الآيات، فاتبعهم الناس، فملا تمادى الزمان ومات الحواريون رضي الله عنهم افترق الناس وجب إليهم الفساد، فغلب أهل الباطل وضعف أهل الحق حتى كانوا عند بعث النبي ﷺ عدماً أو في حكم العدم، - كما دلت عليه قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه، فقد رجع آخر السورة كما ترى بما وقع من التنزه عما يوهمه علو الكفرة من النقص بنصر أوليائه وقسر أعدائه، ومن الأمر مما أخبر أولها أنه يحبه من القتال في سبيله حثاً عليه وتشويقاً إليه - على أولها، واتصل بما بشر به من آمن ولو على أدنى وجوه الإيمان من العز موصلها بمفصلها، بما أزيل من الأسباب الحاملة له على المداراة، والأمور التي أوقعته في المماشاة مع الكفار والمجاراة، فأوجب ذلك رسوخ الإيمان، وحصول الإتقان، المقتضي للتنزيه بالفعل عن كل شوب نقصان، والله الموفق للصواب وعليه التكلان.
٥٨٩
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٨٦


الصفحة التالية
Icon