ولما كانذوا بعد التزكية التي هي تخلية عن لارذائل أحوج ما يكون إلى تحلية بالفضائل قال :﴿ويعلمهم الكتاب﴾ أى المنزل عليه الجامع لكل خير ديني ودنيوي في الأولى والأخرى ﴿والحكمة﴾ وهي غاية الكتاب في قوة فهمه والعمل به، فهي العلم المزين بالعمل والعمل المتقن بالعلم معقوله ومنقوله ليضعوا كل شيء منه في أحكم مواضعه فلا يزيغوا عن الكتاب كما زاغ بنو إسرائيل، فيكون مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً ولو لم يكن له ﷺ معجزة إلا هذه لكانت غاية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٩٠
ولما كان الوصف بالأمية مفهماً للضلال، وكان كثير منهم حال إنزال هذه السورة يعتقد أنهم على دين متين وحال جليل مبين، وكانوا بعد هدايته لهم بعد الأمية سيضلون لأن الإرسال من حضرة غيب الغيب في العلوم المنفية للأمية إلى ما لم تصل إليه أمة
٥٩٣
من الأمم قبلهم، وكان ذلك موجباً للتوقف في كونهم كانوا أميين، أكد هذا المفهوم بقوله :﴿وإن﴾ أي والحال أنهم ﴿كانوا﴾ أي كوناً هو كالجبلة لهم.
ولما كان كونهم ذلك في بعض الزمن الماضي، أدخل الجار فقال :﴿من قبل﴾ أي قبل إرساله إليهم من حين غيروا دين أبيهم إسماعيل عليه الصلاة والسلام وعبدوا الأصنام ﴿لفي ضلال﴾ أي بعد عنم المقصود ﴿مبين *﴾ أي ظاهر في نفسه مناد لغيره أنه ضلال باعتقادهم الأباطيل الظاهرة وظنهم أنهم على شيء وعموم الجهل لهم ورضاهم به واختيارهم له وعيبهم من يميل إلى التعلم وينحو نحو التبصر كما وقع لهم مع زيد بن عمرو بن نفيل وغيره، فوصفهم بهذا غاية في نفي التعلم من مخلوق عن نبيهم إعظاماً لما جاء به من الإعجاز وتقريراً لشدة احتياجهم إلى نبي يرشدهم إلى الهدى، وينقذهم مما كانوا فيه من العمى والردى.


الصفحة التالية
Icon