سورة المنافقون
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٠٤
لما نهى سبحانه في الممتحنة عن اتخاذ عدوه ولياً، وذم في الصف على المخالفة بين القول والفعل، وحذر آخر الجمعة من الإعراض عن حال من أحوال النبي ﷺ على حال من الأحوال ولما مع الوفاق، لأن صورة ذلك كله صورة النفاق، قبح في أول هذه حال من أقبل عليه على حال النفاق، لأنه يكون كاليهود الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها، واستمرت السورة كلها في ذمهم بأقبح الذم ليكون زاجراً عن كل ما ظاهره نفاق، فقال تعالى :﴿إذا جاءك﴾ أي يا أيها الرسول المبشر به في التوراة والإنجيل
٦٠٥
﴿المنافقون﴾ أي العريقون في وصف النفاق وهو إسلام الظاهر وكفر الباطن، وأغلبهم من اليهود ﴿قالوا﴾ مؤكدين لأجل استشعارهم لتكذيب من يسمعهم لما عندهم من الارتياب :﴿نشهد﴾ قال الحسن : هو بمنزلة يمين كأنهم قالوا : نقسم ﴿إنك﴾ - التأكيد لذلك وإيهاماً لأن قوة تأكيدهم لشدة رغبتهم في مضمون ما يقولونه ﴿لرسول الله﴾ أي الملك الذي له الإحاطة الكاملة، فوافقوا الحق بظاهر أحوالهم، وخالفوا بقلوبهم وأفعالهم.
ولما كانت الشهادة الإخبار عن علم اليقين لأنها من الشهود وهو كما الحضور وتمام الاطلاع ومواطأة القلوب للألسنة، صدق سبحانه المشهود به وكذبهم في الإقسام بالشهادة ومواطأة ألسنتهم لقلوبهم فقال :﴿والله﴾ أي المحيط بجميع صفات الكمال ﴿يشهد﴾ شهادة هي الشهادة لأنها محيطة بدقائق الظاهر والباطن ﴿أن المنافقين﴾ أي الراسخين في وصف النفاق ﴿لكاذبون *﴾ أي في إخبارهم عن أنفسهم أنهم يشهدون لأن قلوبهم لا تطابق ألسنتهم فهم لا يعتقدون ذلك، ومن شرط قول الحق أن يتصل ظاهره باطنه وسره بعلانيته، ومتى تخالف ذلك فهو كذب، لا المراد أنهم كاذبون في صحة ما تضمنته شهادتهم من أنك رسول الله والحاصل أن الشهادة تتضمن شيئين : صدق مضمون الخبر والإذعان له، فصدقهم في الأول وكذبهم في الثاني فصاروا بنفاقهم أسفل حالاً وشر مآلاً من اليهود.


الصفحة التالية
Icon