ولما كان الخشب ربما أطلق على المغروس، نفى ذلك بقوله منبهاً بالتشديد على الكثرة :﴿مسندة﴾ أي قد قطعت من مغارسها وقشرت وأسندت إلى الجدر لئلا يفسدها التراب، فهي بيض تلوح تعجب ناظرها ولا ثبات لها ولا باطن بثمرة ولا سقي فلا مدد سماوي لها أصلاً يزكيها نوع زكاء فقد فقدت روح الإثبات الذي به كمالها كما فقد المنافق روح الذي به كمال الناطق وبقاؤه، فهم في تلك الحالة أشباح بلا أرواح أجسام بلا أحلام.
ولما كان من يقول ما لا يفعل يصير متهماً لكل من يكلمه، لأنه لإخلافه له قد صار عدوه فيتوهم الناس كلهم أعداء له فيكسبه ذلك أشد الجبن، وذلك هو السبب الأعظم في تحسين قوله، قال :﴿يحسبون﴾ أي لضعف عقولهم وكثرة ارتيابهم لكثرة ما يباشرون من سوء أعمالهم ﴿كل صيحة﴾ أي من نداء مناد في انفلات دابة أو إنشاد ضالة، ونحو ذلك ﴿عليهم﴾ أي واقعة.
ولما كان من يظن عداوة الناس له يكون هو عدواً لهم، قال نتيجة ما مضى :﴿هم﴾ أي خاصة ﴿العدو﴾ أي كامل العداوة بما دل عليه الإخبار بالمفرد الذي يقع على الجمع دون الجمع إشارة إلى أنهم - في شدة عداوتهم للاسلام وأهله وكمال قصدهم وشدة سعيهم فيه - على قلب واحد وإن أظهروا التودد في الكلام والتقرب به إلى أهل الإسلام، فإن ألسنتهم معكم إذا لقوكم، وقلوبهم عليكم مع أعدائكم، فهو عيون لهم عليكم.
ولما بين ذلك من سوء أحوالهم سبب عنه قوله :﴿فاحذرهم﴾ لأن أعدى الأعداء العدو المداحي الذي يكاشرك وتحت ظلوعه الداء الدوي، فإن من استشعر أنك عدو له بغى لك الغوائل، وأغلب من يعجبك قوله على هذا الوصف يكون، ولكنه يكون بلطف
٦٠٩
الله دائم الخذلان منكوساً في أكثر تقلباته بيد القهر والحرمان لسر قوله تعالى :﴿قاتلهم الله﴾ أي أحلهم الملك المحيط علماً وقدرة محل من يقاتله عدو قاهر له أشد مقاتلة على عادة الفعل الذي يكون بين اثنين.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٠٨