ولما كانت الشدائد تقتضي الإقبال على الله، سبب عن ذلك بقوله :﴿فيقول﴾ سائلاً في الرجعة، وأشار إلى ترقيقها للقلوب بقوله :﴿رب لولا﴾ أي هل لا ولم لا ﴿أخرتني﴾ أي أخرت موتي إمهالاً لي ﴿إلى أجل﴾ أي زمان، وبين أن مراده استدراك ما فات ليس إلا بقوله :﴿قريب فأصدق﴾ أي للتزود في سفري هذا الطويل الذي أنا مستقبله، قال الغزالي في كتاب التوبة من الإحياء : قال بعض العارفين : إن ملك الموت إذا ظهر للعبد أعلمه أنه قد بقي من عمرك ساعة، وأنك لا تستأخر عنها طرفة عين فيبدوا للعبد من الأسف والحسرة مما لو كانت له الدنيا بحذافيرها لخرج منها على أن يضم إلى تلك الساعة ساعة أخرى ليستعتب فيها ويتدارك تفريطه، يقول : يا ملك الموت! أخرني يوماً أعتذر فيه إلى ربي وأتوب وأتزود فيها صالحاً لنفسي، فيقول : فنيت الساعات فلا ساعة، فيغلق عليه باب التوبة فيتغرغر بروحه وتردد أنفاسه في شراسيفه ويتجرع غصة البأس عن التدارك وحسرة الندامة على تضييع العمر، فيضطرب أصل إيمانه في صدمات تلك الأهوال، فإذا زهقت نفسه فإن كان سبقت له من الله الحسنى خرجت روحه على التوحيد، فذلك حسن الخاتمة، وإن سبق له القضاء بالشقوة والعياذ بالله تعالى خرجت روحه على الشك والاضطراب، وذلك سوء الخاتمة، ومن ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف كان بين خطرين عظيمين : أحدهما أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي حتى يصير ريناً وطبعاً فلا يقبل المحو، الثاني أن يعاجلة المرض أو الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو، فيأتي الله تعالى بقلب غير سليم، والقلب أمانة الله عند عبده، قال بعض العارفين : إن لله تعالى إلى عبده سرين على سبيل الإلهام : أحدهما إذا خرج من بطن أمه
٦١٥


الصفحة التالية
Icon