ولما ذكر سبحانه أهل المعاملة بصفة العزة لما حصل لهم من العزة، أتبعهم أضدادهم المطوعين أنفسهم لإشارة العقل المتأهلين لنعت المعرفة، فقال مؤكداً لما للأضداد من التكذيب :﴿إن الذين يخشون﴾ أي يخافون خوفاً أرق قلوبهم وأرق قلوبهم وأرق غيرهم بحيث كانوا كالحب على المقلي لا يقر لهم قرار من توقعهم العقوبة، كلما ازدادوا طاعة ازدادوا خشية، يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة فوقوا أنفسهم فوران النار بهم، وعدل عن سياق الجلالة الجامع إلى صفة الإحسان تنبيهاً على أنهم غلب عليهم النظر إلى الإحسان فقادهم إلى الشكر مع ما نبهت عليه الخشية من اتصافهم بالفرق الذي أداهم إلى الذعر فقال :﴿ربهم﴾ الذي أحسن إليهم بتطويرهم بما جعل لهم من الأسباب في أطوار الخير وإذا كانوا يخشونه مع نظرهم إلى صفة إحسانه فما ظنك بهم عند النظر إلى صفات انتقامه ﴿بالغيب﴾ أي حال كونهم غائبين عنه سبحانه ووعيده غائباً عنهم وهو غائبون عن أعين الناس وقد ملأ الخوف وتكلم بسيوف الهيبة، فيتركون المعصية حيث لا يتكلمون وقلوبهم تتلظى بنيران الخوف وتكلم بسيوف الهيبة، فيتركون المعصية حيث لا يراهم أحد من الناس! ولا يكون لهم هذا إلا برياضة عظيمة لما عند الناس من القوى الموجبة للطغيان، قال بعض العارفين : في الإنسان خواص تستدعي العلم بما يشوبها من الحظوظ فتنشأ منها - المنازعة في الكبرياء والعظمة والجلال والجمال، فالقلب يستدعي التفرد بالوجود والأمر والنهي، فما من أحد إلا وهو مستطبن ما قال فرعون، ولكن لا يجد له مجالاً كما وجد فرعون، والعقل يستدعي في تدبيره وتأثيره اعتقاد أنه لو مكن من الوجود لدبره، ويرى أن تدبيره هو التدبير وإن كان أفسد الفاسد، وكذلك لا يزال يقول : لو كان كذا لكان كذا، والنفس لا تتخيل أنها من القوة والاقتدار بحيث لو أرادت أن تخرب مدناً وتبنيها فعلت، فليحذر الإنسان فإن أعدى عدوه نفسه التي هي بين جنبيه، فمهما تركها انتشرت، قال تعالى {كلا إن


الصفحة التالية
Icon