ولما كان من أعظم النعم الجليلة بعد الإيجاد العقل، أتبعه به، وبدأ بطريق تنبيهه فقال :﴿وجعل لكم﴾ أي خاصة مسبباً عن الجسم الذي أنشأه ﴿السمع﴾ أي الكامل لتسمعوا ما تعقله فلوبكم فيهديكم، ووحده لقلة التفاوت فيه ليظهر سر تصرفه سبحانه في القلوب بغاية المافوتة مع أنه أعظم الطرق الموصلة للمعاني إليها ﴿والأبصار﴾ لتنظروا صنائعة فتعتبروا وتزدجروا عما يرديكم ﴿والأفئدة﴾ أي القلوب التي جعلها سبحانه في غاية التوقد بالإدراك لما لا يدركه بقية الحيوان لتتفكروا فتقبلوا على ما يعليكم، وجمعاً لكثرة التفاوت في نور الأبصار وإدراك الأفكار، وهذا تنبيه على إكمال هذه القوى في درك الحقائق بتلطيف السر لتدقيق الفكر، قال الشيخ وله الدين الملوي : انظر إلى الأفئدة كيف تحكم بأن الاثنين أكثر من الواحد، وأن الجسم الواحد لا يكون في مكانين في آن واحد، وأن الضدين لا يجتمعان - وغير ذلك مما لا يخفى.
ولما كان التقدير : فمشيتم مشي المكب على وجهه فلم تستعملوا شيئاً من هذه الأسرار الشريفة فيما خلق له، كانت ترجمة ذلك :﴿قليلاً﴾ وأكد المعنى بما صورته صورة النافي فقال :﴿ما﴾ ولما زاد تشوف النفس إلى العامل في وصف المصدر دل عليه سبحانه وتعالى بقوله :﴿تشكرون *﴾ أي توقعون الشكر لمن أعطاكم ما لا تقدرون قدره باستعماله فيما خلق لأجله تدعون أنكم أشكر النسا للإحسان وأعلاهم في العرفان.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٠


الصفحة التالية
Icon