انتظام.
ولما كان قوام هذا الوجود بالسيف والقلم، وكان " نون " مشتركاً بين معان منها السيف والدواة التي هي آلة القلم، واللوح الذي هو محل ما يثبت من العلم، وكان السيف قد تقدم في حيز القاف الذي افتتحت به سورة " ق " كما هو أنسب لتضمنه القوة والقدرة والقهر في سورة الحديد بعد الوعظ والتهديد والتذكير بالنعم في السورة الواقعة بينهما، ذكر هنا ما هو لحيز النون من آية العلم فقال مقسماً بعد حرف " ن " :﴿والقلم﴾ أي قلم القدرة الذي هو أول ما أبدعه الله، ثم قال له : اكتب، فخط جميع الكائنات إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ حقيقة، وفي ألواح صفحات الكائنات حالاً ومجازاً،
٩٤
فأظهر جميع العلوم، ثم ختم على فيه فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة، والذي يكتب فيه الخلق ما نولهم الله من تلك المعارف والفهوم، وذلك هو قوام أمور الدنيا، والإشارة به إلى القضاء الذي هو من نتائج " ن " لأنه من مصنوعات الله الظاهرة التي اقتضت حكمته سبحانه إيجادها ووجهه إلى تفصيل ما جرى به الحكم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٩
ولما كان الحاصل بالقلم من بث الأخبار ونشر العلوم على تشعبها والأسرار ما يفوق الحصر، فصار كأنه العالم المطيق واللسن المنطيق، وكان المراد به الجنس أسند إليه كما يسند إلى العقلاء فقال :﴿وما يسطرون *﴾ أي قلم القدرة، وجمعه وأجره مجرى أولي العلم للتعظيم لأنه فعل أفعالهم، أو الأقلام على إرادة الجنس، ويجوز أن يكون الإسناد إلى الكاتبين به لما دل عليهم من ذكره، إما الملائكة إن كان المراد ما كتب في الكتاب المبين واللوح المحفوظ وغيره مام يتكبونه، وإما كل من يكتب منهم ومن غيرهم حتى أصحاب الصحيفة الظالمة التي تقاسموا فيها على أن يقاطعوا بني هاشم ومن لافهم حتى يسلموا إليهم رسول الله ﷺ يصنعون به ما شاؤوا، وكيف ما كان فهو إشارة إلى المقدر لأنه إنما يسطر ما قضى به وحكم.


الصفحة التالية
Icon