ولما كان هذا موجباً لمن له أدنى شعور للهروب منه قال :﴿لو كانوا﴾ أي الكفار ﴿يعلمون *﴾ أي لو كان لهم علم بشيء من غرائزهم في وقت من الأوقات لرجعوا عما هم فيه مما عرفوا أنه يغضب الله فيكون سبب العذاب في الدارين، وهم مع ذلك مما يرزئ بهم عند الله وعند الناس من تلك الآثار الخبيثة التي منها الأيمان الكاذبة، ويدل
١٠٨
على عدم شجاعتهم وقلة عقولهم، لكنهم ليس لهم نوع علم الآن، والمختوم بموته على الكفر لا يتجدد له نوع علم، وغيره سيرجع في الوقت الذي قدره الله له.
ولما ذكر ما لأهل الجمود الذين لا يجوزون الممكنات، ذكر أضدادهم فقال مؤكداً لأجل إنكارهم :﴿إن للمتقين﴾ أي العريقين في صفة التقوى خاصة دون غيرهم ممن لا يتقي، والتقوى : الاحتراز بالوقاء الحامل عليه الخوف من المؤذي، الحامل عليه تجويز الممكنات، قال الملوي : وأصلها أن الفرس الواقي - وهو الموجوع الحافي - لا يضع حافره حتى يرى هل الموضع لين يناسب، وكذا المتقي لا يتحرك ولا يسكن إلا على بصيرة من رضا الله بذلك، فلا يفعل أحد منهم شيئاً من تلك الآثار الخبيثة التي تقدمت للمكذبين، فحازوا الكمال بصلاح القوة العملية الناشىء عن صلاح القوة العلمية، وزاد في الترغيب إشارة إلى جنة القلب وبسط الروح بقوله :﴿عند ربهم﴾ أي المحسن إليهم في موضع ندم أولئك وخيبة آمالهم، فإن تقريبهم دل على رضاه سبحانه، ورضا صاحب الدار مطلوب قبل نظر الدار، ولما أشار إلى جنة القلب أتبعها جنة القالب فقال تعالى :﴿جنات﴾ جمع جنة وهي لغة البستان الجامع، وفي عرف الشرع مكان اجتمع فيه جميع السرور وانتفى منه جميع الشرور ﴿النعيم *﴾ وهو الخالص من المكدر والمشوش والمنغص، لا شيء فيها غيره أصلاً - بما أفادته الإضافة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٧