ولما كان هذا القرآن أعظم إحسان، ساقه سبحانه وتعالى إليهم فكان موجباً للشكر عليهم للذي أنزله ولإكرام الآتي به، فكان سبباً لمباشرتهم من التكذيب به والأذى للآتي به إليهم ما يوجب أخذهم، قال دالاً على متانة كيده سبحانه ودقة استدراجه عاطفاً على ما تقديره لبيان أنهم يباشرون ما يهلكهم باختيارهم من غير موجب : أكان تكذيبهم هذا الذكر لشيء فيه يرتابون ؟ قوله منكراً عليهم، مبيناً أن تكذيبهم إنما هو لأنه طبع وخبث
١١٤
سجية لا شهوة لهم فيه ولا شبهة :﴿أم تسئلهم﴾ أنت يا أعف الخلق وأعلاهم همماً ﴿أجراً﴾ على إبلاغك إياهم ﴿فهم﴾ أي فتسبب عن ذلك وتعقب أنهم ﴿من مغرم﴾ كلفتهم به فهم لشدته ﴿مثقلون *﴾ أي واقع إثقالهم به حتى أوجب لهم ذلك الغرم الناقص لأموالهم التقاعد عن التصديق بما جئت به إليهم من عندنا فصاروا يشتهون إقلاعك عنه.
ولما نفى أن يكون تكذيبهم بشهوة دعتهم إلى ذلك نفى أن يكون لهم في ذلك شبهة من شك في الذكر أو حيف في المذكر وأن يكونوا على ثقة أو ظن من سلامة العاقلة فقال :﴿أم عندهم﴾ أي خاصة ﴿الغيب﴾ أي علموه من اللوح المحفوظ أو غيره ﴿فهم﴾ بسبب ذلك ﴿يكتبون *﴾ أي ما يريدون منه ليكونوا قد اطلعوا على أن هذا الذكر ليس من عند الله أو على أنهم لا درك عليهم في التكذيب به، فقد علم بهذا أنه لا شهوة لهم في ذلك عادية ولا شبهة، وإنما تكذيبهم مجرد خبث طباع، وظلمة نفوس وأمالي فارغة وأطماع.