ولما كانت " ن " مخففة، أتى باللام التي هي علمها فقال :﴿ليزلقونك﴾ أي من شدة عداوتهم وحسدهم وغيظ قلوبهم ﴿بأبصارهم﴾ أي يوجدون لك التنحية عما أنت فيه والزلل العظيم الذي صاحبه في موضع دحض لا مستمسك فيه بالهلاك فما دونه من الأذى حتى يرموك من قامتك إلى الأرض كما يزلق الإنسان فينطرح لما يتراءى في عيونهم حين تصويب النظر للفطن من الحنق والسخط الدال على أن صدورهم تغلي، وهو من قولهم : نظر إليّ نظراً كاد يصرعني، يعني لو أمكنه أن يصرعني به لصرعني كما قال تعالى ﴿يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا﴾ [الحج : ٧٢] وقيل : يهلكونك بإصابة العين، قال القشيري : كانوا إذا أرادوا أن يصيبوا شيئاً بأعينهم جاعوا ثلاثة أيام ثم نظروا إلى ذلك الشيء وقال : ما أحسنه من شيء، فيسقط المنظور إليه في الوقت، ففعلوا ذلك بالنبي ﷺ وقالوا : ما أنصحه من رجل، فحفظه الله منهم، وللشيخين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :"العين حق" وفي رواية عند أحمد وابن رفعه :"يحضر بها الشيطان وحسد ابن آدم" ولأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه :"العين حق ولو أن شيئاً سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا" ولأبي نعيم في الحلية من حديث جابر رضي الله عنه رفعه :"العين حق تدخل الجمل القدر والرجل القبر" ولأبي داود من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما :"وإنها لتدرك الفارس فتدعثره" ولما ذكر هذا الإزلاق العظيم، ذكر ظرفه معبراً بالماضي تذكيراً بالحال الماضية فقال :﴿لما سمعوا الذكر﴾ أي القرآن الذي غلب عليه التذكير بأمور يعليها كل أحد من
١١٧
نفسه، ومن الآفاق كان هواياه أول ما سمعوه حسداً على ما أوتيت من الشرف فكان سماعهم له باعثاً لما عندهم من البغض والحسد على أنه لم يزدهم تمادي الزمان إلا حنقاً بدلالة ﴿ويقولون﴾ أي قولاً لا يزالون يجددونه.


الصفحة التالية
Icon