ولما ذكر المهلكين بالصيحة لأجل التكذيب بالقراعة تحذيراً لمن يكذب بها، أتبعه المهلكين بما هو سبب لإنفاذ الصيحة وتقويتها دلالة على تمام القدرة على كل نوع من العذاب بالاختيار فقال تعالى :﴿وأما عاد﴾ وهم قوم هود عليه السلام ﴿فأهلكوا﴾ أي بأشق ما يكون عليهم وأيسر ما يكون في قدرتنا ﴿بريح صرصر﴾ أي هي في غاية ما
١٢١
يكون من شدة البرد والصوت كأنه كرر فيها البرد حتى صار يحرق بشدته والصوت حتى صار يصم بقوته، وقال الملوي : أصله صر وهو البرد الشديد أو الحر الشديد ﴿عاتية *﴾ أي مجاوز للحد من شدة عصفها وعظمة قصفها وعظمة قصفها تفعل أفعال المستكبر الذي لا يبالي بشيء فلم يستطع خزانها ضبطها، ولم يملك المعذب بها ردها ولا ربطها، بل كانت تنزعهم من مكامنهم التي احتفروها ومصانعهم التي أتقنوها واختاروها فتهلكهم، قال الملوي : قال علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما :" لم ينزل قط ماء ولا ريح إلا بمكيال على يد ملك إلا يوم الطوفان فإن الله تعالى أذن للملاء فطغى على الخزان ويوم عاد أذن للريح فعتت على خزانها " انتهى.
ولما وصفها بالعتو على الخلق والغلبة لهم بحيث كانت خارقة للعادة لم يأت مثلها قبل ولا بعد، دل على صغارها بالنسبة إلى عظمته، وأنه هو الذي أوجها لا الطبيعة ولا غيرها، بل إنما كانت بقدرته واختياره قهراً لمن طعن في ملكه وكذب رسله فيما أخبروا به من أمر الساعة التي هي موضع الحكمة وإظهار جميع العظمة، فقال مستأنفاً دلالة على ذلك :﴿سخرها﴾ أي قهرها على أن سلطها، والتسخير : استعمال الشيء بالاقتدار، ودل على أنه تسخير تعذيب لا رحمة وتأديب بأداة الاستعلاء، فقال :﴿عليهم﴾ وكلفها ذلك وذللها له فلم يمكنها مع عنها إلا أن كانت طوع أمره وصنيعة عظمته وقهره.