ولما كان الحاسم المهلك، سبب عنه قوله مصوراً لحالهم الماضية :﴿فترى القوم﴾ أي الذين هم في غاية القدرة على ما يحاولونه :﴿فيها﴾ أي في تلك المدة من الأيام والليالي لم يتأخر أحد منهم عنها ﴿صراعا﴾ أي مجدلين على الأرض موتى معصورين مجهزة على كل منهم من شدة ضغطها باد عليهم الذل والصغار، جمع صريع ﴿كأنهم أعجاز﴾ أي أصول ﴿نخل﴾ قد شاخت وهرمت فهي في غاية العجز والهرم ﴿خاوية *﴾ أي متآكلة الأجواف ساقطة، من خوي النجم - إذا سقط للغروب، ومن خوي المنزل - إذا خلا من قطانه، قالوا : كانت تدخل من أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم، فالوصف بذلك لعظم أجسامهم وتقطيع الريح لهم وقطعها لرؤوسهم من الحياة وتسويدها لهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١١٩
ولما كان هذا أمراً رائعاً لمن له أدنى معقول، وكان الاستفهام ما يزيد الروعة، قال مسبباً عن استئصالهم ليكون الإخبار به المستلزم لغاية العلم بالجزيئات كالدعوى بدليلها :﴿فهل ترى﴾ أي إليها المخاطب الخبير الناس في جميع الأقطار ﴿لهم﴾ أي خصوصاً، وأعرق في النفي وعبر بالمصدر المحلق بالهاء مبالغة فقال :﴿من باقية *﴾ أي بقاء أو نفس موصوفة بالبقاء، وأنجى الله سبحانه وتعالى صالحاً عليه السلام ومن آمن به من بين ثمود ولم تضرهم الطاغية وهوداً عليه الرسلام ومن آمن به نم بين عاد لم يهلك منهم أحد، فدل ذلك دلالة واضحة على أن له تعالى تمام العلم بالجزيئات كما أن له كمال الإحاطة بالكليات وعلى قدرته واختياره وحكمته، فلا يجعل المسلم أصلاً كالمجرم ولا المسيء كالمحسن.


الصفحة التالية
Icon