ولما بدأ سبحانه وتعالى بثمود الذين هم أقرب المهلكين إلى مكة المشرفة لأن التخويف بالأقرب أقعد، وختم بقوم نوح عليه السلام لأنهم كانوا جميع أهل الأرض ولم يخف أمرهم على أحد ممن بعدهم، علل اختيار إنجائهم بالسفينة دون غيرها فقال :﴿لنجعلها﴾ أي هذه الفعلات العظيمة من إنجاء المؤمنين بحيث لا يهلك منهم بذلك العذاب أاحد وإهلاك الكافرين بحيث لا يشذ منهم أحد، وكذا السفينة التي حملنا فيها نوحاً عليه السلام ومن معه بإبقائها آية من آياته وأعجوبة من بدائع بيناته وغريبة في الدهر من أعجوباته ﴿لكم﴾ أي أيها الأناسي ﴿تذكرة﴾ أي سبباً عظيماص لذكر أول إنشائه والموعظة به لتستدلا بذلك على كمال قدرته تعلى وتمام علمه وعظمة رحمته وقهره، فيقودكم ذلك إليه وتقبلوا بقلوبكم عليه ﴿وتعيها﴾ أي ولتحفظ قصة السفينة وغيرها مما تقدم، حفظاً ثابتاً مستقراً كأنه محوى في وعاء.
ولما كان المنتفع بما يسمع الحافظ له قليلاً جداً، دل على ذلك يتوحيد الأذن
١٢٥
فقال موحداً منكراً مع الدلالة على تعظيمها :﴿أذن﴾ أي عظيمة النفع ﴿واعية *﴾ أي من شأنها أن تحفظ ما ينبغي حفظه من الأقوال والأفعال الإلهية والأسرار الربانية لنفع عباد الله كما نوح عليه السلام ومن معه وهم قليل سبباً لإدامة النسل والبركة فيه حتى امتلأت منه الأرض.
والوعي : الحفظ في النفس، والإيعاء : الحفظ في الوعاء، وفي ذلك توبيخ للناس بقلة الواعي منهم، ودلالة على أن الأذن الواحدة إلا غفلت عن الله تعالى فهي السواد الأعظم، وما سواها لا يبالي بهم الله بالة - قاله الأصبهاني والزمخشري وغيرهما.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٢٣


الصفحة التالية
Icon