ولما كان من المعلوم أنهم قسمان : محسن ومسيء، وكان التقدير : فنعطي كلاًّ منكم صحيفة أعماله من أفعاله وأقواله وجميع خلائقه وأحواله، فمنكم من تدفع إليه ف يمينه فتظهر له حسناته وتستر عنه سيئاته، ومنكم من يعطاها في شمالها فتبدو له سيئاته ويمحي ما كان من حسناته، لأنه اوتي ثوابه في الدنيا بما عجل له من طيباته، عطف عليه مفصلاً له قوله :﴿فأما من أوتي﴾ بناه للمفعول لأن دلالة السعادة الوقوع في اليمين لا من معط معين ﴿كتابه﴾ أي الذي أثبت فيه أعمال ﴿بيمينه فيقول﴾ لما رأى من سعادته تبجحاً بحاله وإظهاراً لنعمة ربه لأن الإنسان مطبوع على أن يظهر ما آتاه من خير تكميلاً للذته بكبت أعدائه وتفريح أوليائه، قيل : إنه تكتب سيئاته في باطن صحيفته وحسناته في ظاهرها، فيقرأ الباطن ويقرأ الناس الظاهر، فإذا أنهاه قيل له : قد غفرها الله، اقلب الصحيفة، فحيئذ يكون قوله :﴿هاؤم﴾ أي خذوا أيها الحاضرون من الخلائق الملائكة وغيرهم، فيها صوت يفهم منه معنى : خذوا، ويوصل تارة بالكاف وتارة بالهمزة، اسم فعل، وإنما اختارهم هنا ليعلم أن خطابها لجميع أهل الموقف من كان منهم باطناً من الملائكة والجن وغيرهم، ومن كان منهم ظاهراً لأن الألف عند الربانيين غيب وإحاطة كما دل عليها مخرجها، فهي عبارة عندهم عن القائم الأعلى المحيط، وروي معنى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، والهمزة بدء غيبة ولذا كان مخرجها أقصى الحروف الحلقية دلالة على ذلك، وبدء غيب الله سبحانه وتعالى أفعاله وهي تشمل الظاهر
١٣٠