ولما نفى عنه الجاه لانسلاخه من حزب الملك الولي الودود، وتحيزه إلى حزب الشيطان العدو والجحود، أتبعه المقصود بالمال الذي تنشأ عنه جميع الاستمتاعات لأجل ضعفهم الذي وهبه المال وأمره بمواساتهم فيه فقال :﴿ولا طعام﴾ ولما كان الاستثناء معياراً للعموم قال :﴿إلا من غسلين *﴾ أي غسالة أهل النار من فيحهم وصديدهم، فعلين من الغسل، ويلزم من هذا الطعام أن يكون تحت غيره ليسيل ماء غسالته إليه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٣٥
ولما حصر طعامهم فيما لا يقربه أحد باختياره، حصر من يتناوله معبراً عنهم بالوصف الذي أوجب لهم أكله فقال :﴿لا يأكله﴾ وفرغ الاستثناء تنبيهاً على أن المستثنى هو المقصود حتى كأنه لا مستنثى منه فقال :﴿إلا الخاطئون *﴾ أي يأكله المتعمدون للخطايا لا غيرهم، وهو من خطأ الرجل بوزن فرح مهموزاً - إذا تعمد الذنب، وأما المخطئ فهو من قصد الخير فلم يصبه بغير تعمد ﴿فليس عليكم جناح فيما أخطأتم به﴾
١٣٦
أي اردتم الصواب فلم تصيبوه، وهذا الطعام يغسل ما في بطونهم من الأعيان والمعاني التي بها قوام صاحبها، وهو بمنزلة ما كانوا يشحون به من أموالهم التي أبطنوها وادخروها في خزائنهم واستأثروا بها على الضعفاء.