في البعث فارق لأن الساجعين لا يرضون أن يأتوا بقرينة لا أخت لها ويعدون ذلك وعياً عيباً رديئاً، وكذا تطويل السجع عن قرينتها وتضعيفها على عديلتها لا يرضى به ساجع ولو أنه هاجع، ومباينة النبي ﷺ للكهنة ظاهرة جداً، فإن الكاهن من ينصب نفسه للدلال على الضوائع والإخبار بالمغيبات يصدق فيها تارة ويكذب كثيراً، ويأخذ الجعل على ذلك، ويقتصر على من يسأله، فعبر لذلك بـ " كاهن " دون " ساجع " أدار أمره على التفكر فقال :﴿قليلاً ما﴾ وأكد أمر القلة والخفاء بإدغام تاء التفعل فقال تعالى :﴿تذكرون *﴾ فلذلك يلتبس عليكم الأمر أو على من تلبسون عليه بذلك، فعلم أن الذي يفرق بينهما موجود فيهم لأنه يرى أن الكتاب تابع للمعنى الصحيح الثابت، فإن صح غاية الصحة مع وجود القرائن المتوافقة في الروي كان وإلا انتقل عن ذلك إلى قرائن غير متوافقة في روي ولا ما يقاربه، أو قريبة مفردة مع إمكان جعلها كما قبلها لكن مع نقصان المقصور وطول الكلام ونحو ذلك، وأن النبي ﷺ لم يدّع يوماً من الأيام علم الغيب ولا نصيب نفسه الشريفة لشيء مما الكهان فيه ولا نقل في ساعة من الدهر عن الجن خبراً ذكراً أنه استفاده منهم ولا مدحهم لذلك كما تفعل الكهان، بل ذم الفاسقين منهم غاية الذم وقال : إن أكثر ما يأتون به الكذب، ولا سأل جعلاً عما يدعو إليه ولا اقتصر على من يأتيه اللسؤال، بل هو ﷺ يتبع الناس في مجامعهم يدعوهم إلى الله بإنقاذهم نم الضلال فمباينته للكهان لا يحتاج إلى غير تذكر قليل - كما أشار إليه إدغام تاء التفعل - فثبت أن القول ليس بكهانة، وقائله والمؤدي له ليس بكاهن، ونسبة القول إلى المبلغ لكونه مبلغاً واضحة الصحة.


الصفحة التالية
Icon