أنه عثر على بعض كتب الله تعالى التي نزلت على من قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فانتحلها من غير أن يوحى إليه، وكان الدليل على أن ذلك ليس كذلك أن العادة تحيل أن يطلع شخص من الناس على شيء لم يطلع أحد منهم ولا سيما إن كان ذلك الشخص قليل المخالطة للعلماء فكيف إذا كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ كما كان ﷺ، قال عاطفاً على ما تقديره : فلو لم يكن تنزيل رب العالمين عليه لم يعجزوا عنه :﴿ولو تقوّل﴾ أي كلف نفسه أن يقول مرة من الدهر كذباً ﴿علينا﴾ على ما لنا من صفات العظمة والجلال والبهاء والكمال والكبرياء ﴿بعض الأقاويل *﴾ التي لم نقلها أو قلناها ولم نأذن له فيها، وهو جمع أفعولة من القول كالأضاحيك جمع أضحوكة، لا جمع أقوال، ليكون جمع الجمع، لأنه يلزم عليه أن لا يعاقب بما دون ثلاثة أقوال ﴿لأخذنا﴾ أي بعظمتنا أخذ قوة وغضب وقهر وإهلاك، وأكده للإعلام بشدة الغضب من الكذب وشدة قبحه.
ولما كان أخذه أخذاً يتلاشى عنده كل أخذ لأن من افترى على الملوك لا يفعل به إلا ذلك قال :﴿منه﴾ أي خاصة ﴿بالمين *﴾ أي التي هي العضو الأقوى منه فيها يكون بطشه فنذهبه بشدة بطشنا، أو اليمين منا، فيكون كناية عن أخذنا له بغاية القوة، فإنه قوة كل شيء في ميامنه، وقيل : إذا أراد الملك إهانة شخص قال : خذه يا فلان، فيأخذه بيمينه، فهو كناية عن الإذلال، وقيل : هذا تصوير قتل الصبر بأشنع صورة، فإن الملك إذا أراد التخفيف على من يقتله امر السياف فأخذ يساره بيساره، وضرب بالسيف من ورائه لأنالعنق منخلف أوسع فيكون أسرع قطعاً ولا يرى المقتول لمع السيف، وإن أراد التعذيب والمبالغة في الإهانة أخذ يده المينى بيده اليسرى وضربه وهو مستقبل له يرى لمع السيف، وربما وقعت الضربة لضيق المجال من قدام في حنكه فيحتاج إلى ثانية وثالثة فهو أفحش.


الصفحة التالية
Icon