ولما كان كونه تعالى، بما تقدم في العظمة، أمراً معلوماً بما له من الآثار من هذا الكون وما فيه، وكان استبعادهم لما أخبر به أمراً واهياً ضعيفاً سفسافاً لا يكاد يصدق أن أحداً يحاول أن يرد به هذه الأمور التي هي في وضوحها كالشمس لا خفاء بها أصلاً ولا لبس قال مؤكداً :﴿إنهم﴾ أي الكفار المكذبين المستعجلين ﴿يرونه﴾ أي ذلك اليوم الطويل أو عذابه ﴿بعيداً *﴾ أي زمن وقوعه، لأنهم يرونه غير ممكن أو يفعلون أفعال من يستبعده ﴿ونراه﴾ لما لنا من العظمة التي قضت بوجوده وهو عينا هين ﴿قريباً *﴾ سواء أريد بذلك قرب الزمان أو قرب المكان، فهو هين على قدرتنا وهو آت لا محالة، وكل آت قريب والبعيد والقريب عندنا على حد سواء.
ولما ذكر عن هذا اليوم ما يبعث على السؤال عنه، استأنف بيانه مبيناً عظمته فقال :﴿يوم﴾ أي يقع حين ﴿كالمهل *﴾ أي الشيء المذاب من المعادن في مهل أو دردي الزيت ﴿وتكون الجبال﴾ التي هي أشد الأرض وأثقل ما فيها ﴿كالعهن *﴾ أي الصوف المصوبغ ألواناً المنقوش، تطيره الريح كالهباء، وذلك لأن الجبال في أصلها متلونة كما قال تعالى ﴿ومن الجبال جدد وبيض وحمر﴾ [فاطر : ٢٧] الآية، قال البغوي : ولا يقال عهن إلا للمصبوغ، قال : وأول ما تتغير الجبال تصير رملاً مهيلاً ثم عهناً منفوشاً ثم هباء منثوراً - انتهى.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٦
ولا يسأل﴾
من شدة الأهوال ﴿حميم حميماً﴾ أي قريب في غاية القرب والصداقة قريباً مثله عن شيء من الأشياء لفرط الشواغل ولأنه قد كشف لهم أنه لا تغني نفس عن نفس شيئاً، وأنه قد تقطعت الأسباب وتلاشت الأنساب لما كشف الابتلاء عن أنه لا عز إلا بالتقوى - هذا على قراءة الجماعة بفتح الياء وعلى قراءة ابن كثير بالبناء للمفعول المعنى أنه لا يطالب أحد بأحد كما بعض الحكام في الدنيا من أنه يلزم أقارب من قربه لأنه لا حاجة له بذلك، لأن القدرة محيطة بالكل على حد سواء.


الصفحة التالية
Icon