ولما تحرر بهذا الكلام الألهي الذي يشك عاقل في أن مخلوقاً لا يقدر عليه، وأنه لا يقدر عليه إلا الله الواحد الذي لا شريك له، العالم بكل شيء، القدر على كل شيء، أنه لا يتفصى عن نقائص الإنسان حتى يتخلص من ظلمات النقصان إلى نور الإحسان إلا من لازم هذه الأوصاف وزكى نفسه بها ليصير كاملاً مع العلم القطعي عند المسلم والكافر أن الكمال سبب السعادة، وأن الإنسان مطبوع على ما صدر به سبحانه من النقائص، علم أن المتصفين بهذه الأوصاف هم المختصون بالسعادة بالأخروية، وكان الكفار يأتون النبي ﷺ ويجلسون حوله بالقرب منه ليسمعوا كلامه ويكذبوه ويهزؤوا به، وكان العقال لا ينبغي له أن يأتي شيئاً لا سيما إن كان إتيانه إليه على هيئة الإسراع إلا لتحصيل السعادة، سبب عن ذلك قوله معبراً عن عظمة القرآن بما حاصله أنهم حين يسمعونه يصيرون لشدة ما يفزعهم أمره لا يتمالكون فيفعلون أفعال من لا وعي له :﴿فمال الذين كفروا﴾ أي أي شيء من السعادة للذين ستروا مرائي عقولهم عن الإقرارا بمضمون هذا الكلام الذي هو أوضح من الشمس، حال كونهم ﴿قبلك﴾ أي نحوك أيها الرسول الكريم وفيما أقبل عليك ﴿مهطعين *﴾ أي مسرعين مع مد الأعناق وإدامة النظر إليك في غاية العجب من مالك هيبة من يسعى إلى أمر لا حياة له بدونه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٤