ولما كان إيتانهم على هيئة التفرق من غير انتظار جماعة لجماعة قال :﴿كل امرئ منهم﴾ أي على انفرادنه، ولما كان المحبوب دخول الجنة لا كونه من مدخل معين، قال بانياً للمفعول :﴿أن يدخل﴾ أي بالإهطاع وهو كافر من غير إيمان يزكيه كما يدخل المسلم فيستوي المسيء والمحسن ﴿جنة نعيم *﴾ أي لا شيء فيها غير النعم في كل ما فيها على تقدير ضبطه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٤
ولما كان معنى الاستفهام الإنكاري المفيد للنفي : لا يدخل، أكد ذلك مع إفهام الضجر والاستصغار بالإتيان بأم الزواجر والروادع فقال :﴿كلا﴾ أي لا يكون ما طمعوا فيه أصلاً لأن ذلك تمن فارغ لا سبب له - بما دل عليه التعبير بالطمع دون الرجاء.
ولما كان الإنسان إذا أكثر من شيء وجعله ديدنه فساغ عندهم أن يقال : فلان خلق من كذا، علل ذلك بقوله مؤكداً، عدّاً لهم منكرين لأنهم مع علمهم بنقصانهم يدعون الكمال :﴿إنا﴾ على ما لنا من العظمة ﴿خلقناهم﴾ بالعظمة التي لا يقدر أحد أن يقاويها فيصرف شيئاً من إرادته عن تلك الوجهة التي وجهته إليها إلى غيرها ﴿مما يعلمون *﴾ أي مما يستحي من ذكره ذاتاً ومعنى، أما الذات فهو نطفة مذرة أخرجت من مخرج أي مما يستحي من ذكره ذاتاً ومعنى، أما الذات فهو نطفة مذرة أخرجت من مخرج البول وغذيناها بدم الحيض، فهي يتحلب منها البول والعذرة، وأما المعنى فالهلع والجزع والمنع اللاتي هم موافقون على عدها نقائص، فلا يصلحون لدار الكمال إلا
١٥٧
بتزكية أنفسهم بما تقدم من هذه الخلال التي حض عليها الملك المتعال، روى البغوي بسنده عن بشر بن حاش رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :" وبصق يوماً في كفه ووضع عليها أصبعه فقال :"يقول عز وجل : ابن آدم! أنّى تعجزني وقد خلتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين والأرض منك وئيد وجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت : أتصدق، وأنّى أوان الصدقة" انتهى.