ولما كان المعنى : لا أقسم بذلك وإن كان عظيماً لأن الأمر في وضوحه لا يحتاج إلى قسم، كما لو قال خصم لخصمه : احلف، فيقول له : الأمر غني عن حلفي إذ يحتاج إلى اليمين من لا بينة له، ثم يأتي من البينات بما لا يكون معه شبهة، وكانوا في تفضيل أنفسهم - مع الاعتراف لله بالقدرة - كالمنكرين للقدرة على قلب الأمر، أكد قوله عائداً على مظهر العظمة بعد دفع اللبس بما هو في وضوحه أجلى من الشمس :﴿إنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿لقادرون *﴾ بأنواع التأكيد بالأداة والأسمية والالتفات إلى مظهر
١٥٨
العظمة في كل من الاسم والخبر، فكان في إخباره بعد الإقسام مع التأكيد إشارة إلى أعلى مراتب التأكيد ﴿على أن نبدل﴾ أي تبديلاً عظيماً بما لنا من الجلالة عوضاً عنهم ﴿خيراً منهم﴾ أي بالخلق أو تحويل الوصف فيكونوا أشد بسطة في الدنيا وأكثر أموالاً وأولاداً وأعلى قدراً وأكثر حشماً ووجاهة وحزماً وخدماً، فيكونوا عندك خلقاً على قلب واحد في سماع قولك وتوقيرك وتعظيمك والسعي في كل ما يشرح صدرك بدل ما يعمل هؤلاء من الهزء والتصفيق وكل ما يضيق به صدرك، وقد فعل ذلك سبحانه بالمهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان بالسعة في الرزق بأخذ أموال الجبارين من كسرى وقيصر، والتمكن في الأرض حتى كانوا ملوك الدنيا مع العمل بما يوجب لهم ملك الآخرة، فرجوا الكرب عن رسول الله ﷺ وبذلوا في مرضاته الأنفس والأموال.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٧
ولما كان الإنسان قد يفعل شيئاً ثم ينقض عليه، أخبر أنه سبانه على غير ذلك فقال :﴿وما﴾ وأكد الأمر بالأسمية الكائنة في مظهر العظمة فقال :﴿نحن﴾ وأعرق في النفي فقال :﴿بمسبوقين *﴾ أي من سابق ما يغلب على شيء لم نرده بوجه من الوجوه، ولذلك أتى باسم المفعول.