وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما أمر الله تعالى نبيه ﷺ بالصبر على قومه في قوله :﴿فاصبر صبراً جميلاً﴾ [المعارج : ٥] وجليل الإغضاء في قوله :﴿فذرهم يخوضوا ويلعبوا﴾ [المعارج : ٤٢] أتبع ذلك بقصة نوح عليه السلام وتكرر دعائه قومه إلى الإيمان، وخص من خبره حاله في طول مدة التذكار والدعاء لأنه المقصود في الموضع تسلية لنبيه ﷺ، وليتأسى به في الصبر والرفق والدعاء كما قيل له ﷺ في غير هذا الموضع ﴿فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم﴾ [الأحقاف : ٣٥] ﴿فلا تذهب نفسك عليهم حسرات﴾ [فاطر : ٨] فقد دام دعاء نوح عليه السلام مع قومه أدوم من مدتك، ومع ذلك فلم يزدهم إلا فراراً ﴿قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً﴾ [نوح : ٤ - ٧] ثم مضت آي السورة على هذا المنهج من تجديد الإخبار بطول مكابدته عليه السلام وتكرير دعائه، فلم يزدهم ذلك إلا بعداً وتصميماً على كفرهم حتى أخذهم الله، وأجاب فيهم دعاء نبيه نوح عليه السلام ﴿رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً﴾ [نوح : ٢٦] وذلك ليأسه من فلاحهم، وانجر في هذا حض نبينا ﷺ على الصبر على قومه والتحمل منهم كما صرح به في قوله تعالى :﴿خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين﴾ [الأعراف : ١٩٩] وكما قيل له قبل ﴿فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت﴾ [القلم : ٤٨] ﴿وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك﴾ [هود : ١٢٠] انتهى.
ولما أخبر عن رسالته ومضمونها بما أعلم من ان الفساد كان غالباً عليهم، استأنف قوله بياناً لامتثاله :﴿قال﴾ أي نوح عليه السلام :﴿يا قوم﴾ فاستعطفهم بتذكيرهم أنه أحدهم يهمه ما يهمهم.
١٦٣


الصفحة التالية
Icon