جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٦٢
ولما كان من يعلم هذا يقيناً، ويعلم أنه إذا كشف له عند الغرغرة أحب أن يؤخر ليتوب حين لاتأخير، أحسن العمل خوفاً من فوات وقته وتحتم مقته، نبه على ذلك بقوله :﴿لو كنتم تعلمون *﴾ أي لو كان العلم أو تجدده وقتاً ما في غرائزكم لعلمتهم تنبيه رسولكم ﷺ أن الله يفعل ما يشاء، وأن الأجل آت لا محالة فعملتم للنجاة، ولكنكم تعملون في الانهماك في الشهوات عمل الشاك في الموت.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٦٢
ولما كان ﷺ أطول الأنبياء عمراً، وكان قد طال نصحه لهم وبلاؤه بهم، نبه على ذلك بقوله مستأنفاً :﴿قال﴾ منادياً لمن أرسله لأنه تحقق أن لا قريب منه غيره، وأسقط أداة النداء كما هي عادة أهل القرب فقال :﴿رب﴾ ولما كانت العادة جارية بأن التكرار لا بد أن يؤثر ولو قليلاً، فكانت مخالفتهم لذلك مما هو أهل لأن يشك فيه، قال مؤكداً إظهاراً لتحسره وحرقته عليه الصلاة والسلام منهم في تماديهم في إصرارهم على على التكذيب شكاية لحاله إلى الله تعالى واستنصاراً به واستمطاراً للتنبيه على ما يفعل به بذله الجهد وتنبيهاً لمن يقص به عليهم هذا وإن كان المخاطب سبحانه عالماً بالسر وأخفى :﴿إني دعوت﴾ أي أوقعت الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ﴿قومي﴾ أي الذين هم جديرون بإجابتي لمعرفتهم بي وقربهم من وفيهم قوة
١٦٥
المحاولة لما يريدون.
ولما كان قد عم جميع الأوقات بالدعاء قال :﴿ليلاً ونهاراً *﴾ فعبر بهذا عن المداومة.
ولما تسبب عن ذلك ضد المراد قال :﴿فلم يزدهم دعاءي﴾ أي شيئاً من أحوالهم التي كانوا عليها ﴿إلا فراراً *﴾ أي بعداً عنك ونفوراً وبغضاً وعراضاً حتى كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة، وأسند الزيادة إلى الدعاء لأنه سببها.