ولما قرر أمر التوبة وبين قبولها وقدمه اهتماماً به لأنه أصل ما يبتنى عليه، ولأن التخلي قبل التحلي، ودرء المفاسد قبل جلب المصالح والفوائد، رغب فيها بما يكون عنها من الزيادة في الإحسان على أصل القبول، وينشأ عن الاستغفار من الآثار الكبار من الأفضال بجلب المسار بما هو مثال للجنة التي كان سبب الإخراج منها النسيان لأنهم أحب شيء في الأرباح الحاضرة والفوائد العاجلة لا سيما بما يبهج النفوس ويشرح الصدور لإذهابه البؤس، فقال مجيباً لفعل الأمر :﴿يرسل السماء﴾ أي المظلة الخضراء أو السحاب أو المطر ﴿عليكم﴾ أي بالمطر وأنواع البركات ﴿مدراراً *﴾ أي حال كونها كثيرة الدورة متكررته، وهذا البناء يستوي فيه المذكر والمؤنث ﴿ويمددكم﴾ أظهر لأن الموضع لإرادة المبالغة والبسط والسعة ﴿بأموال وبنين﴾ وذلك يفهم أن من اكثر الاستغفار حباه الله ما يسره، وحماه ما يضره ﴿ويجعل لكم﴾ أي في الدارين ﴿جنات﴾ أي بساتين عظيمة، وأعاد العامل للتأكيد والبسط لأن المقام له فقال :﴿ويجعل لكم أنهاراً *﴾ يخصكم بذلك عمن لم يفعل ذلك، فإن من لزم الاستغفار استسقى فلم يزد على الاستغفار فلما نزل قيل : يا أمير المؤمنين! ما رأيناك استسقيت ؟ فقال : لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي بها يستنزل القطر، ثم قرأ هذه الآية، وقال القشيري : من وقعت له إلى الله حاجة فلن يصل إلى مراده إلا تقديم الاستغفار، وقال : إن عمل قوم نوح كان بضد ذلك، ازداد نوح في الضمان ووجوه الخير والإحسان ازدادوا في الكفر والنسيان.
١٦٩
ولما كان من رجا ملكاً بما يرضيه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٦٧


الصفحة التالية
Icon