ولما كان دعاء الرسل عليهم الصلاة والسلام جديراً بالقبول لما لهم من الجلالة والحلاوة والبيان والرونق والظهور في الفلاح، أكدوا قولهم :﴿لا تذرن آلهتكم﴾ أي لا تتركنها على حالة من الحالات لا قبيحة ولا حسنة، وأضافوها إليهم تحسباً فيها، ثم خصوا بالتسمية زيادة في الحث وتصريحاً بالمقصود فقالوا مكررين النهي والعامل تأكيداً :﴿ولا تذرن﴾ ولعلهم كانوا يوافقون العرب في أن الود هو الحب الكثير، فناسب التأكيد وأبلغوا فيه فقالوا :﴿ولا يغوث﴾ ولما بلغ التأكيد نهاية وعلم أن المقصود النهي عن التأكيد للعلم بإرادته، وكان هؤلاء ناساً صالحين، فلما ماتوا حزن عليهم الناس ثم زين لهم إبليس تصويرهم تشويقاً إلى العمل بطرائقهم الحسنة فصوروهم، فلما تمادى الزمان زين لهم عبادتهم لتحصيل المنافع الدنيوية ببركاتهم ثم نسي القوم الصالحون، وجعلوا أصناماً آلهة من دون الله، وكانت عابدة هؤلاء أول عبادة الأوثان فأرسل الله سبحانه وتعالى نوحاً عليه الصلاة والسلام للنهي عن ذلك إلى أن كان من أمره وأمر قومه ما هو معلوم، ثم أخرج إبليس هذه الأصنام بعد الطوفان فوصل شرها إلى العرب، فكان ود لكلب بدومة الجندل وسواع لهذيل ويغوث لمذحج ويعوق لمراد ونسر لحمير لآل ذي الكلاع، وقيل غير ذلك - والله أعلم قال البغوي : سواع لهذيل ويغوث لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عن سبأ ويعوق لهمذان.
قال أبو حيان : قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص يحمل على جمل أجرد، يسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل،
١٧٤


الصفحة التالية
Icon