ولما كان الكافر قد أخطأ ثلاث مرات : يكفره في الإيمان بالطاغوت، وتكذيب ربه، وتكذيب رسوله ﷺ، وكان ذلك كافياً في استحقاقه للأخذ قال :﴿خطيئاتهم﴾ جامعاً له جمع السلامة - في قراءة الجماعة، وأفهمت قراءة أبي عمرو بجمع التكسير أن لهم مع هذه الأمهات الكافية في الأخذ من الذنوب ما يفوت الحصر يوجب تغليظ ذلك الأخذ، فهي مشيرة إلى أنه ينبغي الاحتراز من كل الذنب.
ولما كان الموجع إغرافهم لا كونه من معين، قال مخبراً عما فعل بهم في الدنيا :﴿أغرقوا﴾ أي بالطوفان بانياً له للمفعول لذلك وللإعلام بأنه في غاية السهولة على الفاعل المختار الواحد القهار، فطاف الماء عليهم جميع الأرض السهل والجبل، فلم يبق منهم أحداً، وكذا الكلام فيما تسبب عنه وتعقبه من قوله :﴿فأدخلوا﴾ أي بقهر القهار في الآخرة التي أولها البرزخ يعرضون فيه على النار بكرة وعشياً ﴿ناراً *﴾ أي عظيمة جداً أخفها ما يكون من مبادئها في البرزخ، قال الشيخ ولي الدين الملوي : فعذبوا في الدنيا بالغرق، وفي الآخرة بالحرق، والإياس من الرحمة، وأيّ عذاب أشد من ذلك، وقال الضحاك : في حالة واحدة كانوا يغرقون في الماء من جانب ويحترقون في الماء من جانب آخر بقدرة الله سبحانه وتعالى، وفيها دلالة على قول غيره على عذاب القبر.
ولما كانوا قد استندوا إلى آلهتهم لتنصرهم من أخذ الله تعالى، قال مسبباً عن هذا الإغراق والإدخال من الرحمة ليكون ذلك أشد في العذاب، فإن الإنسان - كما
١٧٦
قال الملوي :- إذا كان في العذاب ويرجوا الخلاص يهون عليه الأمر بخلاف ما إذا يئس من الخلاص، معلماً بأن آلهتهم عاجزة فإنهم لم تغن عنهم شيئاً، توبيخاً لمن يعبد مثلها :﴿فلم يجدوا﴾ وحقق الأمر فيهم بقوله :﴿لهم﴾ أي عندما أناخ الله بهم سطوته وأحل بهم نقمته.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٧٦


الصفحة التالية
Icon