ولما كان ربما كان الإنسان ضاراً ووجد له ولد نافع ؛ نفى ذلك بقوله :﴿ولا يلدوا﴾ أي إن قدرت بقاءهم في الدنيا ﴿إلا فاجراً﴾ أي مارقاً من كل ما ينبغي الاعتصام به، واكتفى فيه بأصل الفاعل إشارة إلى أن من جاوز الحد أو شرع في شيء بعده من التمادي في الغي صار ذلك له ديدناً فبالغ، فلذلك قال :﴿كفاراً *﴾ أي بليغ الستر لما يجب إظهاره من آيات الله لأن قولك يا رب لا يتخلف أصلاً، والظاهر أن هذا الكلام لا يقوله إلا عن وحي كما في سورة هود عليه السلام من قوله تعالى :﴿إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن﴾ [هود : ٣٦] فيكون على هذا حتى صغارهم معذبين بما يعلم الله منهم لو بلغوا لا بما عملوه كما قال ﷺ في أولاد الكفار "الله أعلم بما كانوا عاملين" ولما دل هذا كله على أنه دعا على أعداء الله، دعا أيضاً لأوليائه وبدأ بنفسه لأنه رأس تلك الأمة، فقال مسقطاً على عادة أهل الخصوص :﴿رب﴾ أي أيها المحسن إليّ باتباع من اتبعني وتجنب من تجنبي، فإن من كانت طبيعته طبعت على شيء لا تحول عنه.
ولما كان المقام الأعلى أجل من أن يقدره أحد حق قدره قال :﴿اغفر لي﴾ أي فإنه لا يسعني وإن لا يسعني وإن كنت معصوماً إلا حلمك وعفوك ورحمتك.
ولما أظهر بتواضعه عظمة الله سبحانه وتعالى رتب المدعو لهم على الأحق فالأحق فقال :﴿ولوالديّ﴾ وكانا مؤمنين وهما لمك بن متوشلخ وشمخاء بنت أنوش، قال أبو حيان : وقال ابن عباس
١٧٨
رضي الله عنهما : لم يكفر لنوح عليه السلام أب فيما بينه وبين آدم عليهم الصلاة والسلام.
وأعاد الجار إظهاراً للاهتمام فقال :﴿ولمن دخل بيتي﴾ لأن المتحرم بالإنسان له حق أكيد لا سيما إن كان مخلصاً في حبه، ولذا قال :﴿مؤمناً﴾ ولما خص عم وأعاد الجار أيضاً اهتماماً فقال :﴿وللمؤمنين والمؤمنات﴾ أي العريقين في هذا الوصف في كل أمة إلى آخر الدهر ولا تزدهم في حال من الأحوال شيئاً من الأشياء إلا مفازاً.