ولما وصفوه بهذا التعالي الأعظم المستلزم للغنى المطلق والتنزه عن كل شائبة نقص، بينوه بنفي ما ينافيه بقولهم إبطالاً للباطل :﴿ما اتخذ﴾ عبر بصيغة الافتعال بياناً لموضع النقص لا تقيداً ﴿صاحبة﴾ أي زوجة ﴿ولا ولداً *﴾ لأن العادة جارية بأنه لا يكون ذلك إلا بمعالجة وتسبيب، ومثل ذلك لا يكون إلا لمحتاج لا يصح أصلاً أن يكون إلهاً وإن كان بغير تسبيب ومهلة، فهو عبث لأن مطلق الاختراع مغن عنه، فلم يبق إلا العبث الذي ينزه الإله عنه والصاحبة لا بد وأن تكون من نوع صاحبها، ومن له نوع فهو مركب تركيباً عقلياً من صفة مشتركة وصفة مميزة، والولد لا بد وأن يكون جزءاً منفصالاً عن والده، ومن له أجزاء فهو مركب تركيباً حسياً، ومن المقطوع به أن ذلك لا يكون إلا لمحتاج، وأن الله تعالى متعال عن ذلك من تركيب حسي أو عقلي.
ولما تبين لهم ما هو عليه سبحانه من النزاهة عن كل شائبة نقص، وصفوا من قال بضده صيانة لدينهم وعرضهم بالترفع عن الخسائس والرذائل بعدم التمادي في الباطل مقتاً للخلق في ذات الخلق مؤكدين لما للسامع في الغالب من تصديق ما يسمع والمحاجة عنه فقالوا :﴿وأنه﴾ أي وقالوا إلى الشأن - هذا على قراءة الكسر، وآمنا به - على قراءة الفتح ﴿كان يقول﴾ أي قولاً هو في عراقته في الكذب بمنزلة الجبلة والطبع ﴿سفيهنا﴾ وهو الجنس فيتناول إبليس رأس الجنس تناولاً أولياً، وكل من تبعه ممن لم يعرف الله لأن ثمرة العلم معرفة الله، فمن لم يعرفه فهو الذي يلازم الطيش والغي لأنه لا علم عنده أصلاً يحمله على الرزانة، كاذباً متقولاً ﴿على الله﴾ أي الذي له صفات الكمال المنافية لقول هذا السفيه في الولد ﴿شططاً *﴾ أي قولاً هو في بعده عن الصواب نفس البعد ومجاوزة الحد.
١٨٤
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٠