جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٥
ولما علم من قولهم أن مستند الضلال ظنون وشبه متى حكت على محك النظر بان فسادها، وأظهر زيفها نقادها، أتبعه شبهة أخرى زادت الفريقين ضلالاً بعضهم ببعض للتقيد بالمحسوسات، والوقوف مع الخيلات الموهومات، فقال حاكياً عنهم تنبيهاً على عدم الاغترار بالمدح والإطراء الموجبين للغلط في النفس وعلى أنه يجب التثبت حتى لا يقع الغلط في الأسباب المسخرة فيظن أنها مؤثرة فيتجاوز بها الحد عن رتبة الممكنات إلى رتبة الواجب، مؤكدين لأنه لا يكاد يصدق أن الجن يخاطبهم الإنس فيكارمونهم :﴿وإنه﴾ أي الشأن ﴿كان رجال﴾ أي ذوو قوة وبأس ﴿من الإنس﴾ أي النوع الظاهر في عالم الجنس ﴿يعوذون﴾ أي يلجؤون ويعتصمون - خوفاً على أنفسهم وما معهم - إذا نزلوا وادياً ﴿برجال من الجن﴾ أي القبيل المستتر عن الأبصار فإنه كان القوم منهم إذا نزلوا وادياً أو غيره من القفر تعبث بهم الجن في بعض الأحيان لأنه لا مانع لهم منهم من ذكر الله تعالى ولا دين صحيح، ولا كتاب من الله صريح، فحملهم ذلك على أن يستجيروا بعظمائهم فكان الرجل يقول عند خوفه : إني أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر سفهاء قومه أو نحو هذا فلا يرى إلا خيراً، وربما هدوه إلى الطريق وردوا عليه ضالته، فكان ذلك فتنة للإنس باعتقادهم في الجن غير ما هم عليه، فتبعوهم في الضلال، وفتنة الجن بأن يغتروا بأنفسهم ويقولوا سدنا : الجن والإنس، فيضلوا ويضلوا، ولذلك سبب عنه قوله :﴿فزادوهم﴾ أي الإنس الجن باستعاذتهم هذه المرتب عليها إعاذتهم، والجن الإنس بترئيس الإنس لهم وخوفهم منهم ﴿رهقاً *﴾ أي ضيفاً وشدة وغشياناً لما هم فيه من أحوال الضلال التي يلزم منهم الضيق والشدة، وأصل وشدة وغشياناً لما هم فيه من أحوال الضلال التي يلزم منها لاضيق والشدة، وأصل الرهق غشيان بقوة وشدة وقهر، وقال البغوي : والرهق في كلام العرب الإثم وغشيان المحارم.


الصفحة التالية
Icon