ولما دلوا على قهرهم عما كانوا يقدرون عليه من أمر السماء بما ذكروا، وعلى قهر مفسديهم بهذا القرآن عن كثير مما كانوا يفعلونه بأهل الأرض، فقهروا بهذا القرآن العظيم الشأن في الحقيقة عن الخافقين فمنعنا منهم وحفظاً به، ودلوا على أنهمم موضع القهر بالتفرق، كان ذلك موجباً للعلم بشمول قدرته تعالى حتى لا يدركه طالب، ولا ينجو منه هارب، لما بدى لهم من شؤون عظمته وقهره في الحراسة وغيرها، فذكر سبحانه ما أثر ذلك عندهم من الاعتراف والإذعان للواحد القهار، فقال حاكياً عنهم ذلك ندباً إلى الاقتداء بهم في معرفة النفس بالعز والذل والضعف بالتفرق والانقسام، ومعرفة الرب سبحانه بالقدرة الكاملة والسلطان والعظمة بالتفرد التام الذي لا يقبل المماثلة ولا القسمة :﴿وإنا﴾ أكدوا لظن الإنس في قوتهم غير ما هو لها ﴿ظننا﴾ أطلقوا الظن على العلم إشارة إلى أن العاقل ينبغي له ما يخيله ضاراً ولو بأدنى أنواع الحيل فكيف إذا تيقن ﴿أن﴾ أي أن الشأن العظيم، وزادوا في التأكيد لما تقدم فقالوا :﴿لن نعجز الله﴾ أي أن نقاومه إن أراد بنا سواءاً لما له من الإحاطة بكل شيء علماً وقدرة لأنه واحد لا مثل له، ودلوا على وجه الضعف بقولهم :﴿في الأرض﴾ أي كائنين فيها
١٩٠
مقيمين وهي جهة السفل الملزومة للقهر، وذلك أقصى جهدنا فأين نحن من سعة ملكه الذي هو في قبضته ﴿ولن نعجزه﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿ولن نعجزه﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿هرباً *﴾ أي ذوي هرب أو من جهة الهرب، أي هربنا من الأرض إلى غيرها فإن السماء منعت منا وليس لنا مضطرب إلا في قبضته، فأين أم إلى أين المهرب، وقد منعوا بذلك وجهي النجاة باللقاء والنصر والهرب عند القهر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٩


الصفحة التالية
Icon