ولما عرفوا بالأمن الاعتصام بطاعة الله، نبهوا على خطر التعرض لبطشه فقالوا :﴿وأما القاسطون﴾ أي العريقون في صف الجور عن الصواب من الجن وغيرهم فأولئك أهملوا أنفسهم فلم يتحروا لها فضلوا فأبعدوا عن المنهج فوقعوا في المهالك التي لا منجى منها :﴿فكانوا﴾ بجبلاتهم ﴿لجهنم﴾ أي النار البعيدة القعر التي تلقاهم بالتجهم والكراهة والعبوسة ﴿حطباً *﴾ تقود بهم النار فهي في اتقاد ما داموا أحياء، وهم أحياء ما دامت تتقد لا يموتون فيستريحون ولا يحيون فينتعشون، فالآية من الاحتباك، وهو منطوف لما أوجبه من السياق لا مفهوم : ذكر التحري أولاً دليلاً على تركه ثانياً وذكر جهنم ثانياً دليلاً على حذف الجنة أولاً، وسر ذلك أنهم في مقام الترهيب فذكروا ما يحذر، وطووا ما يجب العلم به لأن الله تعالى لا يضيع لأحد أجراً بل لا يقتصر على ما يقابل الحسنة في العرف بل لا بد أن يزيد عليها تسعة أضعافها وعنده المزيد ولا حول ولا قوة لنا إلا به سبحانه وتعالى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٩١
ولما رغب ورهب سبحانه على ألسنة الجن بما هداهم له ونور قلوبهم به، وكانت
١٩٢
الآية السالفة آخر ما حكى عنهم، كان التقدير : أوحي إلي أن القاسطين من قومي وغيرهم لو آمنوا فعل بهم من الخير ما فعل بمؤمني الجني حين آمنوا، فأغناهم الله في الدنيا بحلاله عن حرامه من غير كلفة فكسا لهم كل عظم لقوه لحماً أوفر ما كان، وأعاد لهم كل روث رأوه أحسن ما كان ببركة هذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ﴿وأن﴾ أي وأوحي إليّ أن الشأن العظيم ﴿لو استقاموا﴾ أي طلب القاسطون من الخلق كلهم الجن والإنس القوم وأوجدوه، كائنين ﴿على الطريقة﴾ أي التي لا طريقة غيرها وهي التي فهمها الجن من القرآن من الإسلام والإقساط المؤدية إلى الفلاح في الدارين.


الصفحة التالية
Icon