ولما بين سبحانه من أول السورة إلى هنا ما به صلاح الدين الذي عصمه الأمر وبه صلاح الدارين، وأظهر ما للتهجد من الفضائل، فكان التقدير حتماً : فواظب عليه لتناول هذه الثمرات، قال معلّلاً محققاً له مبيناً ما به صلاح الدنيا التي هي فيها المعاش، وصلاحها وسيلة إلى صلاح المقصود، وهو الدين وهو الذي ينبغي له لئلا يكون كلاًّ على الناس ليحصل من الرزق ما يعينه على دينه ويوسع به على عيال الله من غير ملل ولا ضجر ولا كسل ولا مبالغة، مؤكداً لما للنفس من الكسل عنه :﴿إن لك﴾ أي أيها المتهجد أو يا أكرم العباد غن كان الخطاب للنبي ﷺ ليكون آكد في إلزام الأمة به ﴿في النهار﴾ الذي هو محل السعي في مصالح الدنيا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٦
ولما كان الإنسان يهتم في سعيه لنفسه حتى يكون كأنه لشدة عزمه وسرعة حركته كالسابح فيما لا عائق له فيه قال :﴿سبحاً طويلاً *﴾ أي تقلباً ممتد الزمان، قال البغوي : وأصل السبح سرعة الذهاب، وقال الرازي : سهولة الحركة.
٢٠٧
ولما كان التقدير : فاجتهد في التهجد، عطف عليه قوله حاثاً على حضور الفكر :﴿واذكر اسم ربك﴾ أي المحسن إليك والموجد والمدبر لك بكل ما يكون ذكراً من اسم وصفة وثناء وخضوع وتسبيح وتحميد وصلاة وقراءة ودعاء وإقبال على علم شرعي وأدب مرعي ودم على ذلك، فإذا عظمت الاسم بالذكر فقد عظمت المسمى بالتوحيد والإخلاص، وذلك عون لك على مصالح الدارين، أما الآخرة فواضح، وأما الدنيا فقد أرشد النبي ﷺ أعز الخلق عليه فاطمة ابنته رضي الله عنها لما سأتله خادماً يقيها التعب إلى التسبيح والتحميد والتكبير عند النوم.