ولما كانت الوكالة لا تكون إلا فيما يعجز، وكان الأمر بها مشيراً إلى أنه لا بد أن يكون عن هذا القول الثقيل خطوب طوال وزلازل وأهوال، قال :﴿واصبر﴾ وأشار إلى عظمة الصبر بتعديته بحرف الاستعلاء فقال :﴿على ما﴾ وخفف الأمر بالإشارة إلى أنهم لا يصلون إلى غير الأذى بالقول، وعظمه باسمرارهم عليه فقال :﴿يقولون﴾ أي المخالفون المفهومون من الوكالة من مدافعتهم الحق بالباطل في حق الله وحقك.
ولما كانت مجانبة البغيض إلا عند الاضطرار مما يخفف من أذاه قال :﴿واهجرهم﴾ أي أعرض عنهم جهاراً دافعاً للهرج مهما أمكن ﴿هجراً جميلاً *﴾ بأن تعاشرهم بظاهرك وتباينهم بسرك وخاطرك، فلا تخالطهم إلا فيما أمرك الله به على ما حده لك من دعائهم إليه سبحانه ومن موافاتهم في أرفاحهم وأحزانهم فتؤدي حقوقهم ولا تطالبهم بحقوقك لا تصريحاً ولا تلويحاً.
ولما كان في امره هذا بما يفعل ما يشق جداً بما فيه من احتمال علوهم، أعلم بقرب فرجه بتهديهم بأخذهم سريعاً فقال :﴿وذرني﴾ أي اتركني على أي حالة اتفقت مني في معاملتهم، وأظهر في موضع الإضمار تعليقاً للحكم بالوصف وتعميماً فقال :﴿والمكذبين﴾ أي العريقين في التكذيب فإني قادر على رحمتهم وتعذيبهم.
ولما ذكر وصفهم الذي استحقوا به العذاب، ذكر الحامل عليه تزهيداً فيه وصرفاً عن معاشرة أهله لئسلا تكون المعاشرة فتنة فتكون حاملة على الاتصاف به وجارّة إلى حب الدنيا فقال :﴿أولي النعمة﴾ أي أصحاب التنعم بغضارة العيش والبهجة التي أفادتهموها النعمة - بالكسر وهي الإنعام وما ينعم به من الأموال والأولاد، والجاه الذي أفادته النعمة - بالضم وهي المسرة التي تقتضي الشكر وهم أكابر قريش وأغنياؤهم.
٢١٠
ولما كان العليم القدير إذا قال مثل هذا لولي من أوليائه عاجل عدوه، قال محققاً للمراد بما أمر به من الصبر من هذا في النعم الدنيوية بأن زمنها قصير :﴿ومهلهم﴾ أي اتركهم برفق وتأن وتدريج ولا تهتم بشانهم.